Blogger news

Friday, January 27, 2012

ما هو القياس ثم بين اركان القياس


القياس
القياس
والحديث حول القياس كثر بين الفقهاء كثرة غير متعارفة ، وكتبت عنه المجلدات ، وكان موضع خلاف كثير ، ونظراً لما يترتب عليه من ثمرات فقهية واسعة ، اقتضانا أن نطيل الحديث فيه ، عارضين مختلف وجهات النظر وأدلتها على أساس من المقارنة وفق ما انتهينا اليه سابقاً من نهج .
وأول ما يواجهنا منها اختلافهم في تعريفه .

تعريف القياس لغة واصطلاحاً :
القياس في اللغة " التقدير ، ومنه قست الثوب بالذراع اذا قدرته به ، قال الشاعر يصف جراحة أو شجّة :
إذا قاسها الاسي النطاسيّ أدبرت غثيتها أو زاد وهياً هزومها (1)
وقد عرف في اصطلاحهم بالاجتهاد تارة ، كما ورد ذلك عن الشافعي ، وببذل الجهد لاستخراج الحق (2) أخرى .
ويردعلى هذين التعريفين أنهما غير جامعين ولا مانعين ; أما كونهما غير جامعين فلخروج القياس الجليّ عنهما ، إذ لا جهد ولا اجتهاد فيه في استخراج الحكم ; وأما كونهما غير مانعين فلدخول النظر في بقية الادلة كالكتاب ، والسنة ، وغيرهما من مصادر التشريع ضمن هذا التعريف ، مع أنها ليست من القياس المصطلح بشيء .
ولهذين التعريفين نظائر لا تستحق إطالة الكلام فيها لبعدها عن فنية التعريف ، وهي أقرب الى الشروح اللفظية منها الى الحد المنطقي .
والذي يقرب من الفن ما ذكره القاضي أبو بكر الباقلاني من أنه " حمل معلوم على معلوم في اثبات حكم لهما ، أو نفيه عنهما بأمر جامع بينهما من حكم أو صفة " (3) .
يقول في المحصول : " واختاره جمهور المحققين منا " (4) وقريب منه ما عرفه به الغزالي (5) .
وقد سجّلت على هذا التعريف عدة مفارقات ، لعل أهمها ما أورده الامدي عليه من لزوم الدور " لان الحكم في الفرع نفياً وإثباتاً متفرع على القياس إجماعاً ، وليس هو ركناً في القياس ، لان نتيجة الدليل لا تكون في الدليل لما فيه من الدور الممتنع " (6) .
وتقريب الدور ، هو أن إثبات الحكم للفرع موقوف على ثبوت القياس ، وثبوت القياس موقوف على تمام كل ما اعتبر فيه ، ومنه إثبات الحكم للفرع ; فهو إذن موقوف على إثبات الحكم للفرع ، ومع إسقاط المتكرر تكون النتيجة هي أن إثبات الحكم للفرع موقوف على إثبات الحكم للفرع ; على أن هذا التعريف مشعر بأن إثبات حكم الاصل إنما هو من نتائج القياس مع أن القياس لا يتكفل أكثر من إثبات حكم الفرع ، والمفروض فيه هو المفروغية عن معرفة حكم الاصل ، إذ هي من متممات الدليل الى إثبات الحكم في الفرع كما هو واضح .
ولهذا السبب وغيره ، عدل كلّ من الامدي وابن الهمام عن ذلك التعريف الى تعاريف أبعد عن المؤاخذات ; فقد عرفه الامدي بأنه عبارة " عن الاستواء بين الفرع والاصل في العلة المستنبطة من حكم الاصل " (7) ; وتعريف ابن الهمام له : " هو مساواة محل لاخر في علة حكم له شرعي لا تدرك بمجرد فهم اللغة " (8) .
وقد سلم هذان التعريفان من مؤاخذة عامة وردت على أكثر التعاريف التي أخذت في مفهومه ، أمثال هذه الكلمة ( تسوية فرع لاصله ) ، أو حكمك على الفرع بمثل ما حكمت به على الاصل ، أو حملك الفرع على أصله ، وما شابه ذلك من الالفاظ التي تبعد القياس عن كونه دليلاً للمجتهد ، لبداهة أن حمل المجتهد الفرع على أصله وإثبات الحكم له إنما هو وليد إجراء القياس ، فهو متأخر رتبة عن أصل القياس ، فكيف يؤخذ في تعريفه ، ولزوم الخلف أو الدور فيه واضح ؟ هذا ، بالاضافة الى سلامتهما من الاشكالات السابقة . لكن أخذهما كلمة " المستنبطة " أو " لا تفهم من مجرد اللغة " في التعريفين لا يتضح له وجه لاخراجه القياس الجلي أو منصوص العلة عن تعريف القياس ، مع أنهما داخلان في التعريف اصطلاحاً ; والامدي نفسه يأتي بعد ذلك فيقسم القياس الى جلي وخفي ، أي منصوص العلة ومستنبطها (9) .
والذي يبدو لنا أن أسلم التعاريف من الاشكالات ما ورد من أنه " مساواة فرع لاصله في علة حكمه الشرعي " لسلامته من المؤاخذات السابقة ، وصلوحه بعد إقامة الادلة على حجيته لاستنباط الاحكام الشرعية منه .
والغريب أن يعتبر الاستاذ خلاف هذا التعريف من أبعد التعريفات ، معلّلاً ذلك بأن " التعريف إنما هو للعملية التي يجريها القائس ; وتساوي الاصل والفرع في العلة ليس من عمله ، وكذلك القياس المقصود به الوصول الى حكم الفرع لا الى مجرد تساوي الاصل والفرع في العلة " (10) .
وما أدري كيف تكون عملية الاستنباط من الدليل هي الدليل نفسه مع أنها متأخرة في الرتبة عنه ؟ والظاهر أن منشأ ما ذهب اليه اختلاط مفهوم الدليل عليه بكيفية الاستفادة منه وعدم التفرقة بينهما ، فاستكشاف حكم الفرع إنما يكون من مساواتهما واقعاً في العلة لا من تسويتنا لهما فيها .
هذا كله في القياس الذي يدخل ضمن ما يصلح للدليلية ، وهو الذي يدار عليه الحديث لدى المتأخرين .

اصطلاح آخر في القياس :
وهناك اصطلاح آخر للقياس ، شاع استعماله على ألسنة أهل الرأي قديماً ، وفحواه : التماس العلل الواقعية للاحكام الشرعية من طريق العقل ، وجعلها مقياساً لصحة النصوص التشريعية ، فما وافقها فهو حكم الله الذي يؤخذ به ، وما خالفها كان موضعاً للرفض أو التشكيك .
وعلى هذا النوع من الاصطلاح ، تنزل التعبيرات الشائعة : ان هذا الحكم موافق للقياس وذلك الحكم مخالف له .
وقد كان القياس بهذا المعنى مثار معركة فكرية واسعة النطاق على عهد الامام الصادق(عليه السلام) وأبي حنيفة (11) ، وستأتي الاشارة اليها في موضعها من هذه الاحاديث ; وعلى أساس من هذا المصطلح ألّفت كتب للدفاع عن الشريعة وبيان أن أحكامها موافقة للقياس أي موافقة للعلل المنطقية ; وفي رسالة ( القياس في الشرع الاسلامي ) لابن القيم وابن تيمية مثل على ذلك ; ولكن هذا المصطلح تضاءل استعماله على ألسنة المتأخرين ، وأصبحت لفظة القياس لا تطلق غالباً إلا على ما عرضناه من المعنى الاول له ; وكاد ان يهجر المعنى الثاني على ألسنتهم ، وإنما أشرنا اليه لما يترتب على تأريخ هذه الكلمة ( القياس ) ومعناها ، عبر الازمان ، من ثمرات في مجالات المناقشة في حجيته ستأتي الاشارة اليها في موضعها .

أركان القياس :
وللقياس بمعناه الاول أركان أربعة ، يمكن انتزاعها من نفس التعريف :
1 ـ الاصل أو المقيس عليه : وهو المحل الذي ثبت حكمه في الشريعة ، ونص على علته ، أو استنبطت بإحدى المسالك الاتية .
2 ـ الفرع أو المقيس : وهو الموضوع الذي يراد معرفة حكمه من طريق مشاركته للاصل في علة الحكم .
3 ـ الحكم : ويراد به الاعتبار الشرعي الذي جعله الشارع على الاصل ، والذي يطلب إثبات نظيره للفرع .
4 ـ العلة : وهي على نحو الاجمال الجهة المشتركة بينهما التي بنى الشارع حكمه عليها في الاصل .
فاذا قال الشارع ـ مثلاً ـ : حرّمت الخمر لاسكارها ، فالخمر أصل ، والحرمة حكمه ، والاسكار علتها ، فاذا وجد الاسكار في النبيذ ( وهو الفرع ) فقد ثبتت الحرمة له بالقياس .
وقد ذكروا لهذه الاركان شرائط ، وأطالوا في التحدث عنها وأكثرها انما ذكر للوقاية عن الوقوع فيما أسموه بالقياسات الفاسدة ، وليس من المهم عرضها الان عدا ما يتصل منها بالعلة وملابساتها ، لانها هي المنطلق للتحدث عن حجية القياس وعدمها ، فالانسب قصر الكلام عليها .
وقبل ان نبدأ الحديث فيها لا بدّ من التعرض الى المراد من لفظ العلة وما يرجع اليها على نحو التفصيل .

تعريف العلة :
عرف كل من المقدسي والغزالي العلة بمناط الحكم (12) ; وفسر الغزالي مناط الحكم بقوله : " ما أضاف الشرع الحكم اليه وناطه به ونصبه علامة عليه " (13) . ومن هذا التعريف ; يعلم أن غرضهم من العلة ليس مدلولها الفلسفي ، أعني ما أوجبت معلولها لذاتها ولم يتخلف عنها ، وهي المؤلفة من المقتضى والشرط وعدم المانع ، بل غرضهم منها ما جعله الشارع علامة على الحكم ; وبهذا صرّح الغزالي بقوله : " لان العلة الشرعية علامة وأمارة لا توجب الحكم بذاتها ، إنما معنى كونها علة نصب الشارع إياها علامة ، وذلك وضع من الشارع " (14) ، وأضاف بعضهم الى كونها أمارة وعلامة ، اعتبار المناسبة بينها وبين الحكم .
وأرادوا بالمناسبة ان تكون مظنّة لتحقيق حكمة الحكم " أي أن ربط الحكم بها وجوداً وعدماً من شأنه ان يحقق ما قصده الشارع بتشريع الحكم من جلب نفع أو دفع ضرر " (15) .
وقد فضل بعض الاصوليين ان يعرف العلة بقوله : هي " الوصف الظاهر المنضبط الذي جعله الشارع علامة على الحكم مع مناسبته له " (16) .
وقد انتزعوا من هذا التعريف أموراً أسماها خلاف بالشرائط المتفق عليها ، والانسب تسميتها بالاركان لانها جماع ما أخذ في تعريف العلة وتحديدها ، هي :
1 ـ ان تكون وصفاً ظاهراً ، أي مدركاً بحاسة من الحواس الظاهرة ليمكن اكتشافه في الفرع .
2 ـ ان يكون وصفاً منضبطاً ، أي محدداً بحدود معينة يمكن التحقق من وجودها في الفرع .
3 ـ ان يكون وصفاً مناسباً ، ومعنى مناسبته ان يكون مظنة لتحقيق حكمة الحكم .
وأضافوا الى ذلك أمراً رابعاً ، وهو :
4 ـ ان لا يكون الوصف قاصراً على الاصل ، وهذا الاخير كان موضعاً لخلاف بينهم ; ومن رأي خلاف ـ والحق معه ـ أنه لا ينبغي ان يكون موضعاً لخلاف " لانه لا تكون العلة أساساً للقياس إلا اذا كانت متعدية " (17) .
وبهذه الشروط المنتزعة من التعريف ، حاولوا إقصاء العبادات عن كونها مجرى للقياس ، لانها مما لا تدرك عللها بالعقل كعدد ركعات كل صلاة ، وعدد أيام الصيام ، وغيرهما من العبادات ، كما ألحقوا بها العقوبات المقدرة كعدد الجلد في الزنى ، وقذف المحصنات (18) ، وهكذا ... وسيتضح فيما بعد أن قسماً من هذه القيود إنما اتخذ على ألسنة المتأخرين منعاً عن الوقوع في مفارقات السابقين عندما توسعوا في التماس العلل حتى في العبادات وغيرها .
ولزيادة تحديد المراد من العلة ، نعرض لما عرضوا لذكره من التفرقة بينها وبين السبب والحكمة والشرط ، وهي ألفاظ شائعة الاستعمال على ألسنة الاصوليين ، ويتضح الفرق بينها اذا عرضنا لكلّ منها بشيء من التحديد .
Share this post
  • Share to Facebook
  • Share to Twitter
  • Share to Google+
  • Share to Stumble Upon
  • Share to Evernote
  • Share to Blogger
  • Share to Email
  • Share to Yahoo Messenger
  • More...

0 comments

:) :-) :)) =)) :( :-( :(( :d :-d @-) :p :o :>) (o) [-( :-? (p) :-s (m) 8-) :-t :-b b-( :-# =p~ :-$ (b) (f) x-) (k) (h) (c) cheer

 
© ISLAMIC WORLD
Designed by AL.YEASA ,ISLAMIC UNIVERSITY. EMAIL.aleasa.iuk@gmail.com
https://www.facebook.com/ALEASAIUK .
Posts RSSComments RSS
Back to top