Blogger news

Friday, January 27, 2012

مَصادر أساليب الدّعوة ووَسائِلها ومدى الحاجة إليها ( قسم الدعوة والدراسات الاسلامية-الجامعة الاسلامية)


الفصل الأول - مَصادر أساليب الدّعوة ووَسائِلها ومدى الحاجة إليها
تعداد المصادر
586-  مصادر أساليب الدعوة ووسائلها هي: القرآن الكريم، السنة النبوية المطهرة، سيرة السلف الصالح، استنباطات الفقهاء، التجارب، ونتكلم فيما يلي بشيء من الايجاز عن كل مصدر للتعريف به.

أولاًَ: القرآن الكريم
587-  في القرآن الكريم آيات كثيرة تتعلق بأخبار الرسل الكرام وما جرى لهم مع أقوامهم.
وما خاطب الله تعالى به خاتمهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من أمور الدعوة إليه. وهذه الآيات الكريمة يستفاد منها أصول أساليب الدعوة ووسائلها، التي يجب أن يفقهها المسلم كما يتفقه أمور الدين الاخرى، لأن الله جل جلاله ما قصها علينا وأخبرنا بها الا لنستفيد منها ونتزود من معانيها ما يعيننا على الدعوة الى الله تعالى، ونلتزم بنهجها. قال ربنا تبارك وتعالى: {وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين} سورة هود الآية: 120. قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: "كل أخبار نقصها عليك من أنباء الرسل المتقدمين من قبلك مع أممهم وكيف جرى لهم من المحاجات والخصومات وما احتمله الأنبياء من التكذيب والأذى وكيف نصر الله حزبه المؤمنين وخذل اعداءه الكافرين. كل هذا مما نثبت به فؤادك يا محمد أي قلبك ليكون لك ممن مضى من اخوانك المرسلين أسوة"[1].
ولا شك أن المسلمين يقتدون برسولهم صلى الله عليه وسلم وفيما كان يتأسى به من سيرة المرسلين في أمور الدعوة الى الله. قال تعالى: {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب. ما كان حديثاً يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} سورة يوسف الآية: 111. ففي قصص السابقين من أمم الأرض وما جرى عليهم وما جرى لانبيائهم معهم عبرة وموعظة لاصحاب العقول السليمة وهداية ورحمة للمؤمنين بالله ورسوله فهم الذين يعتبرون بما قصه الله عن الماضين ويتعظون به لأن الايمان قد فتح قلوبهم للحق وارهف حسهم لمواضع العبرة ومعاني الموعظة. وقال تعالى: {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} سورة الانعام الآية: 90 فهذه الآية الكريمة تشير الى لزوم الاقتداء بنهج رسل الله  في الدعوة إليه.
    
ثانياً: السنة النبوية
588-  وفي السنة النبوية أحاديث كثيرة تتعلق بأمور الدعوة ووسائلها. كما أن السيرة النبوية المطهرة وما جرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة والمدينة، وكيفية معالجته للاحداث والظروف التي واجهته، كل ذلك يعطينا مادة غزيرة جداً في أساليب الدعوة ووسائلها، لأن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم مرّ بمختلف الظروف والاحوال التي يمكن أن يمر بها الداعي في كل زمان ومكان، فما من حالة يكون فيها الداعي، أو أحداث تواجهه، الا ويوجد نفسها أو مثلها أو شبهها أو قريب منها في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، فيستفيد الداعي منها الحل الصحيح والموقف السليم الذي يجب أن يقفه إذا ما فقه معاني السيرة النبوية، وقد يكون من حكمة الله ولطيف لطف الله أن جعل رسوله الكريم يمر بما مر به من ظروف وأحوال حتى يعرف الدعاة المسلمون كيف يتصرفون وكيف يسلكون في أمور الدعوة في مختلف الظروف اقتداء بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالسيرة النبوية والتوجيهات النبوية الكريمة تطبيقات عملية لما أمر الله به رسوله في أمور الدعوة وتبليغ الرسالة، وما ألهم رسوله في هذا المجال، فلا يجوز للداعي أن يغفل عن سيرة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
    
ثالثاً: سيرة السلف الصالح
589-  وفي سيرة سلفنا الصالح من الصحابة الكرام والتابعين لهم باحسان، سوابق مهمة في أمور الدعوة يستفيد منها الدعاة الى الله، لأن السلف الصالح كانوا أعلم من غيرهم بمراد الشارع وفقه الدعوة الى الله، وما زال أهل العلم يستدلون بسيرتهم.

رابعاً: استنباطات الفقهاء
590-  الفقهاء يعنون باستنباط الاحكام الشرعية العملية من أدلتها الشرعية، ومن هذه الأحكام ما يتعلق بأمور الدعوة الى الله، مثل أحكام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد والحسبة، وقد افردوا لهذه الأحكام أبواباً خاصة في كتبهم الفقهية. وما قرروه من اجتهادات في أمور الدعوة ومجالها، حكمه حكم اجتهاداتهم الأخرى، التي يجب اتباعها أو يندب لأن الوسائل والاساليب في الدعوة من أمور الدين مثل مسائل العبادات والمعاملات.

خامساً: التجارب
591-  التجربة معلم جيد للانسان لا سيما لمن يعمل مع الناس، وللداعي تجارب كثيرة في مجال الدعوة هي حصيلة عمله المباشر مع الناس ومباشرته للوسائل فعلا في ضوء ما فهمه من المصادر السابقة، لأن التطبيق قد يظهر له وجه خطئه فيتجنبه في المستقبل، وقد يكون الثمن غالياً ولكن ما يتعلمه من التجارب أغلى من الثمن المدفوع إذا انتفع من التجارب حقاً، وهذا هو المأمول من المؤمن فان المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين... وكما أن الداعي يستفيد من تجاربه الخاصة، يستفيد أيضاً من تجارب الآخرين في مجال الوسائل والاساليب فان الحكمة ضالة المؤمن يأخذها من أي وعاء خرجت...

ضرورة الاستمساك بالنهج الصحيح في الوسائل والاساليب
592-  النهج الصحيح في الوسائل والاساليب هو المستقى من المصادر التي بيناها، والاستمساك بهذا النهج ضروري لكل داع ولازم له وواجب عليه لأن الاسلام يقضي به، والواجب على المسلم ان يتمسك بما يقضي به الدين، كما أن التزام هذا النهج الصحيح يقرب من الغاية ويوصل الى المراد ولو بعد حين بخلاف غيره من المناهج فانه خطأ ويبعد عن الغاية ولا يوصل الى المطلوب. ثم ان المطلوب من الداعي ان يحرص على طاعة الله واتباع الصواب وعدم الوقوع في الخطأ او في العصيان، وهذا المطلوب من الداعي إنما يكون بالالتزام بالنهج الصحيح الذي جاءت به المصادر. فإذا ما قام الداعي بما هو مطلوب منه لم يكن مسؤولا عن نتيجة عمله من حيث بلوغ الغاية والوصول الى المراد لأن الله تعالى يقول: {فاتقوا الله ما استطعتم} والحساب إنما يكون على مشروعية عمل الانسان وهل أدى كل ما عليه من واجب؟ وإذا تبين هذا الأمر ووعاه الداعي وفقهه لم يكن له أن يخرج على النهج الصحيح بحجة صعوبته أو طوله أوعدم قبول الناس له، أو تعجلا من الداعي لبلوغ الغاية أو انسياقاً منه وراء عاطفة نبيلة دينية حسنة ورغبة صادقة في العمل والجهاد والشهادة في سبيل الله، لأن الخطأ لا يصير صواباً بالنيات الحسنة والعواطف النبيلة، وان الوصول الى المقصود لا يكون بالسير على ما لا يؤدي اليه وان كان السائر جد حريص على الوصول. ويكفي للتدليل على ما أقول ان أذكر أن احكام الشريعة ما نزلت دفعة واحدة، وان الدعوة الاسلامية ما سارت وراء رغبات المتحمسين وعواطف الصادقين المتعجلين. فالقتال ما شرع في مكة، وكان جواب النبي صلى الله عليه وسلم للمتعجلين: ان اصبروا. وصلح الحديبية لم تتسع له صدور كثير من المسلمين بالرغم من صدقهم وعمق ايمانهم واستعدادهم للقتال وللاستشهاد، ولكن اتسع له صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم. لأن المسألة ليست مسألة استعداد للموت والصدق في هذا الاستعداد وإنما المسألة هي لزوم السير على النهج الصحيح، فهو وحده الموصل الى المراد وبلوغ الغاية على الوجه المطلوب. ولهذا نزل القرآن واصفاً ذلك الصلح بالفتح المبين. فعلى الداعي ان لا يتأثر بالعواطف والقصود الطيبة والحماس لخدمة الاسلام عند تعين الوسيلة والاسلوب، وليدع النظر السديد يعين الوسائل والاساليب في ضوء ما جاء في المصادر التي ذكرناها. إن الحماس والعاطفة والرغبة في العمل يجب أن يوجه ذلك كله لتحقيق وتنفيذ الاسلوب الصحيح والوسيلة الصحيحة بعد تقريرهما، لا أن يوجه ذلك للتشكيك في الاسلوب الصحيح والتجديف بعيداً عن الوسائل الصحيحة، والجدل العقيم.

نتائج الخروج عن النهج الصحيح
593-  والخروج عن النهج الصحيح في الاسلوب والوسيلة يؤدي الى الفشل وعدم بلوغ الغاية وان ظن الخارج أنه قارب أن يصلها وحتى لو وصلها فعلاً، فإنه سرعان ما يدفع عنها ويرمى بعيداً عنها. وفضلاً عن ذلك فان الخروج عن النهج الصحيح يؤدي غالباً الى لحوق الأذى بالعاملين وضياع الجهود بلا طائل كالذي يقيم البناء على غير أسس سليمة أو بمواد غير صالحة. فان بناءه الى الزوال مع احتمال انهدامه على ساكنيه. إن هذه النتائج تقع حتماً وإن كان الداعي حسن النية والقصد، لأن النتائج في الدنيا تترتب على أسبابها ومقدماتها بغض النظر عن نيات أصحابها.. وعلى سبيل التمثيل او التدليل على ما نقول، إن من نهج الدعوة الصحيح حسن الخلق والترفق، فان عدم الداعي ذلك بأن كان فظاً غليظ القلب كان سبباً لانصراف الناس عنه وإن كان محقاً في دعوته مخلصاً في عمله، إذ ليس هو بأحسن حالاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي خاطبه ربه بقوله: {ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك}. وأخيراً فان الخروج على النهج الصحيح قد يكون من المعاصي التي يقع فيها الداعي، لأن النهج الصحيح في الدعوة من الدين ومخالفة أحكام الدين في أمور الدعوة الى الله معصية يسأل عنها المسلم.

صعوبة الالتزام بالنهج الصحيح
594-  والحقيقة ان الالتزام بالنهج الصحيح ليس بالأمر اليسير، لأنه يقتضي أن يحيط الداعي بمعاني النهج الصحيح وحضورها في ذهنه بحيث تصدر أفعاله بموجبها بسهولة ويسر ثم عليه أن يطبق ما فهمه من هذه المعاني على الجزئيات التي يباشرها أو يواجهها وهي كثيرة جداً ويصعب عدها وحصرها، وكثيراً ما تختلط هذه الجزئيات ببعضها وتدق الفروق فيما بينها. وكثيراً ما ينسى الداعي معاني المنهج الصحيح، وكثيراً أيضاً ما يصعب عليه استنباط الحلول الجديدة من هذه المعاني الكثيرة، ان مثل الداعي في هذه الحالة – حالة التطبيق – مثل القائد العسكري فقد يستوعب أساليب الحرب والقتال والخطط العسكرية وقواعدها استيعاباً جيداً جداً ولكن هذا لا يكفيه عند التطبيق إذ لا بد له من كفاءة وقدرة على حسن الاستفادة مما تعلمه لوضع الخطة الملائمة والاسلوب الصحيح للحالة التي يواجهها في ضوء ما تعلمه. وصعوبة التطبيق بالنسبة للداعي أشد بكثير مما هي بالنسبة للقائد العسكري، لأن القائد يجد بين يديه جنوداً مطيعين ينفذون ما يأمرهم به القائد، أما الداعي فهو يواجه أناساً جاهلين بربهم متمردين عليه نافرين من الحق مقبلين على الدنيا معادين للداعي أوعلى الأقل لا يهتمون بما يدعوهم إليه من الخير ولا يحسون بحاجة إليه. أضف الى ذلك أن أحوال الناس وأهواءهم مختلفة متضاربة وأمراضهم كثيرة متنوعة وكل ذلك يجعل مهمة الداعي في تطبيق ما تعلمه صعبة وليست يسيرة. ومع هذا كله فإنه من الممكن تذليل هذه الصعوبة جهد الإمكان وهذا ما نبينه في الفقرة التالية:

تيسير الالتزام بالنهج الصحيح
والذي يسهل الالتزام بالنهج الصحيح ويعين عليه أمور، منها:
595-  أولاً: الفهم الدقيق الجيد لمعاني النهج الصحيح بطول التأمل وتكرار هذه المعاني التي جاءت في المصادر التي ذكرناها، بحيث تصبح كأنها تجري في دمه وحاضرة في ذهنه، ولهذا لا يجوز للداعي أن يمل من ترداد وإعادة قراءة ما ورد في مصادر الدعوة مع التأمل الطويل عند القراءة.
ثانياً: تقوى الله، فان تقوى الله تنور قلب المسلم وتقوي فيه قوة الادراك والرؤية فيبصر الحق واضحاً جلياً ويعرف الوسائل والاساليب الصحيحة المناسبة لما يمر به من ظروف وأحوال وأشخاص، والتي قد تشتبه بغيرها فيشتبه عليه الصحيح من الوسائل والاساليب، لأنه لا يكفي، كما قلنا ان يعرف الوسائل والاساليب بصورة عامة أو بتفصيل وإنما يجب ان يعرف ما يجب تطبيقه منها بالنسبة لهذا الشخص أوبالنسبة لهذه الحالة او الظرف. وكثيراً ما تتعارض مبررات تطبيق وسيلة معينة تعارض معاني هذه الحالة المعينة أو الظرف المعين، فيحتاج الداعي الى بصيرة نافذة تدرك الوسيلة المناسبة او تستخرجها من مجموع الوسائل الصحيحة عن طريق المزج او الاستنباط اوالقياس قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم} سورة الانفال الآية: 29 وقد جاء في تفسير هذه الآية: "يجعل لكم فرقاناً أي فصلاً بين الحق والباطل، فان من اتقى الله بفعل أوامره وترك زواجره وفق لمعرفة الحق من الباطل، فكان ذلك سبب نصره ونجاته ومخرجه من أمور الدنيا وسعادته يوم القيامة"[2] وقال تعالى: {واتقوا الله ويعلمكم الله} قال ابن كثير في تفسيره: ويعلمكم الله كقوله: {يا أيها الذين آمنوا ان تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً} يريد رحمة الله بقوله هذا إن معناها مثل معنى هذه الآية[3].
ثالثاً: الالتجاء الدائم الى الله تعالى والانطراح بين يديه والتوسل إليه ليعلمه ويفهمه. لقد كان الإمام ابن تيمية يخرج الى الصحراء ويضع خده على التراب ويقول "يا معلم ابراهيم علمني" يكررها مراراً ويكرر هذه الحالة مراراً كما ذكر تلميذه ابن القيم.
رابعاً: تطهير قلبه من جراثيم الرياء تطهيراً كاملاً. بتجريد الإخلاص لله رب العالمين بحيث لا يبقى فيه أي تلفت الى الناس وطلب السمعة عندهم أو طلب مرضاتهم على حساب النهج الصحيح للدعوة. إن الداعي قد ينحرف عن النهج الصحيح لما يسمعه من ضجيج الناس ومن صياحهم او من رغبة أصحابه في التساهل في معاني النهج الصحيح. والذي يعينه على الثبات والاستقامة وعدم الخروج على النهج الصحيح اخلاصه الكامل التام الذي يجعله لا يلتفت إلى أي داع من دواعي الخروج. إن تجريد الإخلاص صعب جداً لأن جراثيم الرياء خفية ودقيقة قد يحملها الداعي ولا يحس بها كما يحمل الصحيح جراثيم المرض ولا يحس بها، ولهذا يمكن أن تؤثر فيه أو تضعف مقاومته لدواعي الخروج عن النهج الصحيح والله المستعان.


Share this post
  • Share to Facebook
  • Share to Twitter
  • Share to Google+
  • Share to Stumble Upon
  • Share to Evernote
  • Share to Blogger
  • Share to Email
  • Share to Yahoo Messenger
  • More...

0 comments

:) :-) :)) =)) :( :-( :(( :d :-d @-) :p :o :>) (o) [-( :-? (p) :-s (m) 8-) :-t :-b b-( :-# =p~ :-$ (b) (f) x-) (k) (h) (c) cheer

 
© ISLAMIC WORLD
Designed by AL.YEASA ,ISLAMIC UNIVERSITY. EMAIL.aleasa.iuk@gmail.com
https://www.facebook.com/ALEASAIUK .
Posts RSSComments RSS
Back to top