Blogger news

Friday, January 27, 2012

تعريف الشيعة (الجامة الاسلامية)



تأريخ الشيعة
الشيع :
الشياع: القوة والانتشار ، يقال: شاع الخبر إذا انتشر ، وكثر التكلم به. وشيعة الرجل : خواصه ، وجماعته الذين ينتشرون ، ويتقوى بهم لنسب يجمعهم ، أو لاتباعهم إياه في مذهبه ، وسيرهم على منهاجه وسننه ، وتجمع الشيعة على شِيَع ، وتُجمع شيع على أشياع.
والمراد بالشيعة هنا: كل من شايع علي بن أبي طالب خاصة ، وقال بالنص على إمامته ، وقصر الإمامة على آل البيت. وقال بعصمة الأئمة من: الكبائر ، والصغائر ، والخطأ. وقال: لا ولاء لعلي إلا بالبراء من غيره من الخلفاء الذين في عصره قولا ، وفعلًا ، وعقيدة ، إلا في حال التقية. وقد يثبت بعض الزيدية الولاء دون البراء .
فهذه أصول الشيعة التي يشترك فيها جميع فرقهم ، وإن اختلفت كل فرقة عن الأخرى في بعض المسائل ، فمن قال ممن ينتسب إلى الإسلام بهذه الأصول ، فهو شيعي . وإن خالفهم فيما سواها ومن قال بشيء منها ، ففيه من التشيع بحسبه.
وإنما قيل لهم الشيعة لأنهم شيعوا علياً رضوان الله عليه ويقدمونه على سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الشيعة هم: الذين شايعوا علياً رضي الله عنه على الخصوص، وقالوا بإمامته وخلافته: نصاً ووصية؛ إما جلياً وإما خفياً. واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده؛ وإن خرجت فبظلم يكون من غيره، أو بتقية من عنده. وقالوا: ليست الإمامة قضية مصلحة تناط باختيار العامة وينتصب الإمام بنصبهم؛ بل هي قضية أصولية، وهي ركن الدين؛ لا يجوز للرسل عليهم السلام إغفاله وإهماله، ولا تفويضه إلى العامة وإرساله.
ويجمعهم القول بوجوب التعيين والتنصيص، وثبوت عصمة الأنبياء والأئمة وجوباً عن الكبائر والصغائر، والقول بالتولي والتبري: قولاً، وفعلاً، وعقداً؛ إلا في حال التقية.
فرق الشيعة: . ورؤوس فرق الشيعة خمسة: الزيدية ، والإمامية ، والكيسانية ، والغلاة ، والإسماعيلية ومن العلماء من لم يجعل الإسماعيلية فرقة رئيسية.
الفرقة الأولى: الزيدية
وهم خمسة أصناف: الصنف الأول: الأبترية، نسبوا إلى كثير النواء، واسمه: المغيرة بن سعد، ولقبه الأبتر.
والصنف الثاني: من الزيدية: الجارودية، نسبوا إلى أبي الجارود زياد بن أبي زياد.
الصنف الثالث من الزيدية: الخشبية، ويعرفون بالصرخابية، نسبوا إلى صرخاب الطبري، وسموا، الخشبية، لأنهم خرجوا على السلطان مع المختار، ولم يكن معهم سلاح غير الخشب.
الصنف الخامس من الزيدية: الخلفية، وهم أصحاب خلف بن عبد الصمد.
الفرقة الثانية: الكيسانية
وكيسان كان مولى لعلي بن أبي طالب، رضي الله عنه وكرم الله وجهه، وهم أربعة أصناف: أولهم: المختارية، أصحاب المختار بن أبي عبيد، قبل مقالته من كيسان، والصنف الثاني من الكيسانية: الإسحاقية، نسبوا إلى إسحاق بن عمرو.
الصنف الثالث: الكربية، أصحاب أبي كرب الضرير.
الصنف الرابع: الحربية، نسبوا إلى عبد الله بن عمر بن حرب.
الفرقة الثالثة:العباسية
ينسبون إلى آل العباس بن عبد المطلب، رضي الله عنهم، وهم صنفان: الصنف الأول: الخلالية، أصحاب أبي سلمة الخلال.
الصنف الثاني: الراوندية، أصحاب أبي القاسم بن راوند.
الفرقة الرابعة: الغالية
وهم تسعة أصناف: الصنف الأول: الكاملية، أصحاب أبي كامل.
الثاني: السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ.
الثالث: المنصورية، أصحاب أبي منصور العجلي.
الرابع: الغرابية، سموا بذلك الإسم لأنهم يقولون: علي، عليه السلام، كان أشبه بالنبي من الغراب بالغراب.
الخامس: الطيارية، وهم أصحاب التناسخ، نسبوا إلى جعفر الطيار.
والسادس: البزيعية، نسبوا إلى بزيع بن يونس.
والسابع: اليعفورية، نسبوا إلى محمد بن يعفور.
الثامن: الغمامية، سموا بذلك الإسم لزعمهم أن الله تعالى ينزل إلى الأرض في غمام كل ربيع، فيطوف الدنيا، سبحان الله عما يقولون.
التاسع: الإسماعيلية، وهم الباطنية.
الفرقة الخامسة:الإمامية
وهم الرافضة، سموا بذلك لرفضهم زيد بن علي عليهما السلام.
فمنهم: الناووسية، نسبوا إلى عبد الله بن ناووس.
ومنهم: المفضلية، نسبوا إلى المفضل بن عمر، ويسمون القطعية، لأنهم قطعوا على وفاة موسى بن جعفر بن محمد.
والشمطية، لأنهم نسبوا إلى يحيى بن أشمط.
والواقفية، سموا بذلك لأنهم وقفوا على موسى بن جعفر رضي الله عنه، وقالوا: هو السابع، وأنه حي لم يمت حتى يملك شرق الأرض وغربها، ويسمون الممطورة، وذلك أن واحداً منهم ناظر يونس بن عبد الرحمن، وهو القطعية، فقال له يونس، لأنتم أهون علي من الكلاب الممطورة، فلزمتهم هذه النبزة.
والأحمدية نسبوا إلى إمامهم أحمد بن موسى بن جعفر.
نعوت الأئمة على مذهب الاثني عشرية
علي المرتضى، ثم الحسن المجتبى، ثم الحسين سيد الشهداء، ثم علي زين العابدين، ثم محمد الباقر، ثم جعفر الصادق، ثم موسى الكاظم، ثم علي الرضا، ثم محمد الهادي، ثم علي الصابر، ثم الحسن الطاهر، ثم محمد المهدي، القائم المنتظر، وأنه لم يمت، ولا يموت بزعمهم حتى يملأ الأرض عدلاً، كما ملئت جوراً، وهو محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولهم ثلاثة أصناف:
الصنف الأول: الغالية وإنما سموا الغالية لأنهم غلوا في علي.
الصنف الثاني: الرافضة وإنما سموا رافضة لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر.
الصنف الثالث: الزيدية.
وتفصيلها كالتالي:
o       الصنف الأول: فمنهم الغالية وإنما سموا الغالية لأنهم غلوا في علي وقالوا فيه قولاً عظيماً وهم خمس عشرة فرقة:
 فالفرقة الأولى منهم البيانية أصحاب بيان بن سمعان التميمي يقولون أن الله عز وجل على صورة الإنسان وأنه يهلك كله إلا وجهه وادعى بيان أنه يدعو الزهرة فتجيبه وأنه يفعل ذلك بالاسم الأعظم فقتله خالد بن عبد الله القسري، وحكي عنهم أن كثيراُ منهم يثبت لبيان بن سمعان النبوة، ويزعم كثير من البيانية أن أبا هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية نص على إمامة بيان بن سمعان ونصبه إماماً.
والفرقة الثانية منهم أصحاب عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ذي الجناحين، يزعمون أن عبد الله بن معاوية كان يدعي أن العلم ينبت في قلبه كما ينبت الكمأة والعشب وأن الأرواح تناسخت وأن روح الله جل اسمه كانت في آدم ثم تناسخت حتى صارت فيه، قال: وزعم أنه رب وأنه نبي فعبده شيعته، وهم يكفرون بالقيامة ويدعون أن الدنيا لا تفنى ويستحلون الميتة والخمر وغيرهما من المحارم ويتأولون قول الله عز وجل: " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا " .
والفرقة الثالثة منهم أصحاب عبد الله بن عمرو بن حرب وهم يسمون الحربية يزعمون أن روح أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية تحولت فيه وأن أبا هاشم نص على إمامته.
والفرقة الرابعة منهم المغيرية أصحاب المغيرة بن سعيد يزعمون أنه كان يقول أنه نبي وأنه يعلم اسم الله الأكبر، وأن معبودهم رجل من نور على رأسه تاج وله من الأعضاء والخلق مثل ما للرجل وله جرف وقلب تنبع منه الحكمة وأن حروف أبي جاد على عدد أعضائه قالوا: والألف موضع قدمه لاعوجاجها وذكر الهاء فقال: لو رأيتم موضعها منه لرأيتم أمراً عظيماً يعرض لهم بالعورة وبأنه قد رآه لعنه الله، وزعم أنه يحيي الموتى بالاسم الأعظم وأراهم أشياء من النيرنجات والمخاريق، وذكر لهم كيف ابتدأ الله الخلق فزعم أن الله جل اسمه كان وحده لا شيء معه فلما أراد أن يخلق الأشياء تكلم باسمه الأعظم فطار فوقع فوق رأسه التاج قال: وذلك قوله: " سبح اسم ربك الأعلى " قال: ثم كتب بإصبعه على كفه أعمال العباد من المعاصي والطاعات فغضب من المعاصي فعرق فاجتمع من عرقه بحران أحدهما مالح مظلم والآخر نير عذب ثم اطلع في البحر فأبصر ظله فذهب ليأخذه فطار فانتزع عين ظله فخلق منها شمساً ومحق ذلك الظل وقال: لا ينبغي أن يكون معي إله غيري ثم خلق الخلق كله من البحرين فخلق الكفار من البحر المالح المظلم وخلق المؤمنين من النير العذب، وخلق ظلال الناس فكان أول من خلق منها محمداً صلى الله عليه وسلم قال: وذلك قوله: " قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين " ثم أرسل محمداً إلى الناس كافة وهو ظل ثم عرض على السموات أن يمنعن علي بن أبي طالب رضوان الله عليه فأبين ثم على الأرض والجبال فأبين ثم على الناس كلهم فقام عمر بن الخطاب إلى أبي بكر فأمره أن يتحمل منعه وأن يغدر به ففعل ذلك أبو بكر وذلك قوله: " إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال " قال: وقال عمر: أنا أعينك على علي لتجعل لي الخلافة بعدك وذلك قوله: " كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر " والشيطان عنده عمر، وزعم أن الأرض تنشق عن الموتى فيرجعون إلى الدنيا، فبلغ خبره خالد بن عبد الله فقتله.
قال: وكان جابر الجعفي من أصحابه وأنزله أصحاب المغيرة بمنزلة المغيرة ومات جابر وادعى وصيته بكر الأعور الهجري القتات فصيروه إماماً وقالوا إنه لا يموت فأكل أموالهم، وكان المغيرة يأمرهم بانتظار محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب وذكر لهم أن جبريل وميكائيل عليهما السلام يبايعانه بين الركن والمقام ويحيي له سبعة عشر رجلاً يعطى كل رجل منهم كذا وكذا حرفاً من الاسم الأعظم فيهزمون الجيوش ويملكون الأرض، فلما خرج محمد وقتل قال بعض أصحاب المغيرة: لم يكن الخارج محمد بن عبد الله وإنما كان شيطاناً تمثل في صورته وأن محمداً سيخرج ويملك على ما قال المغيرة، وبرئ بعضهم من المغيرة.
والفرقة الخامسة منهم المنصورية أصحاب أبي منصور يزعمون أن الإمام بعد أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي أبو منصور وأن أبا منصور قال: آل محمد هم السماء والشيعة هم الأرض وأنه هو الكسف الساقط من بني هاشم، وأبو منصور هذا رجل من بني عجل، وزعم أبو منصور أنه عرج به إلى السماء فمسح معبوده رأسه بيده ثم قال له: أي بني اذهب فبلغ عني ثم نزل به إلى الأرض، ويمين أصحابه إذا حلفوا أن يقولوا: ألا والكلمة، وزعم أن عيسى أول من خلق الله من خلقه ثم علي وأن رسل الله سبحانه لا تنقطع أبداً، وكفر بالجنة والنار وزعم أن الجنة رجل وأن النار رجل، واستحل النساء والمحارم وأحل ذلك لأصحابه وزعم أن الميتة والدم ولحم الخنزير والخمر والميسر وغير ذلك من المحارم حلال وقال: لم يحرم الله ذلك علينا ولا حرم شيئاً تقوى به أنفسنا وإنما هذه الأشياء أسماء رجال حرم الله سبحانه ولا يتهم وتأول في ذلك قوله تعالى: " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا " وأسقط الفرائض وقال: هي أسماء رجال أوجب الله ولا يتهم، واستحل خنق المنافقين وأخذ أموالهم، فأخذه يوسف بن عمر الثقفي والي العراق في أيام بني أمية فقتله.
والفرقة السادسة منهم الخطابية أصحاب أبي الخطاب بن أبي زينب،
 وهم خمس فرق كلهم يزعمون أن الأيمة أنبياء محدثون ورسل الله وحججه على خلقه لا يزال منهم رسولان واحد ناطق والآخر صامت فالناطق محمد صلى الله عليه وسلم والصامت علي بن أبي طالب فهم في الأرض اليوم طاعتهم مفترضة على جميع الخلق يعلمون ما كان وما هو كائن، وزعموا أن أبا الخطاب نبي وأن أولئك الرسل فرضوا عليهم طاعة أبي الخطاب وقالوا: الأيمة آلهة وقالوا: ولد الحسين أبناء الله وأحباؤه ثم قالوا ذلك في أنفسهم وتأولوا قول الله تعالى: " فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين " قالوا: فهم آدم ونحن ولده، وعبدوا أبا الخطاب وزعموا أنه إله، وزعموا أن جعفر بن محمد إلههم أيضاً إلا أن أبا الخطاب أعظم منه وأعظم من علي، وخرج أبو الخطاب على أبي جعفر فقتله عيسى بن موسى في سبخة الكوفة، وهم يتدينون بشهادة الزور لموافقيهم.
والفرقة الثانية من الخطابية وهي
الفرقة السابعة من الغالية يزعمون أن الإمام بعد أبي الخطاب رجل يقال له معمر وعبدوه كما عبدوا أبا الخطاب، وزعموا أن الدنيا لا تفنى وأن الجنة ما يصيب الناس من الخير والنعمة والعافية وأن النار ما يصيب الناس من خلاف ذلك، وقالوا بالتناسخ وأنهم لا يموتون ولكن يرفعون بأبدانهم إلى الملكوت وتوضع للناس أجساد شبه أجسادهم، واستحلوا الخمر والزنا واستحلوا سائر المحرمات ودانوا بترك الصلاة، وهم يسمون المعمرية ويقال أنهم يسمون العمومية.
والفرقة الثالثة من الخطابية وهي الفرقة الثامنة من الغالية يقال لهم البزيغية أصحاب بزيغ بن موسى يزعمون أن جعفر بن محمد هو الله وأنه ليس بالذي يرون وأنه تشبه للناس بهذه الصورة، وزعموا أن كل ما يحدث في قلوبهم وحي وأن كل مؤمن يوحى إليه وتأولوا في ذلك قول الله تعالى: " وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله " أي بوحي من الله وقوله: " وأوحى ربك إلى النحل " و: " إذا أوحيت إلى الحواريين " ، وزعموا أن منهم من هو خير من جبريل وميكائيل ومحمد، وزعموا أنه لا يموت منهم أحد وأن أحدهم إذا بلغت عبادته رفع إلى الملكوت، وادعوا معاينة أمواتهم وزعموا أنهم يرونهم بكرة وعشية.
والفرقة الرابعة من الخطابية وهي الفرقة التاسعة من الغالية يقال لهم العميرية أصحاب عمير بن بيان العجلي وهذه الفرقة تكذب من قال منهم أنهم لا يموتون ويزعمون أنهم يموتون ولا يزال خلف منهم في الأرض أيمة أنبياء، وعبدوا جعفراً كما عبده اليعمريون وزعموا أنه ربهم وقد كانوا ضربوا خيمة في كناسة الكوفة ثم اجتمعوا إلى عبادة جعفر، فأخذ يزيد بن عمر بن هبيرة عمير بن البيان فقتله في الكناسة وحبس بعضهم.
والفرقة الخامسة من الخطابية وهي الفرقة العاشرة من الغالية يقال لهم المفضلية لأن رئيسهم كان صيرفياً يقال له المفضل يقولون بربوبية جعفر كما قال غيرهم من أصناف الخطابية وانتحلوا النبوة والرسالة وإنما خالفوا في البراءة من أبي الخطاب لأن جعفراً أظهر البراءة منه فجميع من أخرج الأمر من بني هاشم من الإمامية الذين يقولون بالنص على علي وادعى الأمر لنفسه ستة: عبد الله بن عمرو بن حرب الكندي وبيان بن سمعان التميمي والمغيرة بن سعيد وأبو منصور والحسن بن أبي منصور وأبو الخطاب الأسدي وزعم أبو الخطاب أنه أفضل من بني هاشم.
وقد قال في عصرنا هذا قائلون بالبهية سلمان الفارسي.
وفي النساك من الصوفية من يقول بالحلول وأن البارئ يحل في الأشخاص وأنه جائز أن يحل في إنسان وسبع وغير ذلك من الأشخاص، وأصحاب هذه المقالة إذا أرادوا شيئاً يستحسنونه قالوا: لا ندري لعل الله حال فيه ومالوا إلى اطراح الشرائع وزعموا أن الإنسان ليس عليه فرض ولا يلزمه عبادة إذا وصل إلى معبوده.
الفرقة الحادية عشر من أصناف الغالية يزعمون أن روح القدس - هو الله عز وجل - كانت في النبي صلى الله عليه وسلم ثم في علي ثم في الحسن ثم في الحسين ثم في علي بن الحسين ثم في محمد بن علي ثم في جعفر بن محمد بن علي ثم في موسى بن جعفر ثم في علي بن موسى بن جعفر ثم في محمد بن علي بن موسى ثم في علي بن محمد بن علي بن موسى ثم في الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى ثم في محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي وهؤلاء آلهة عندهم كل واحد منهم إله على التناسخ والإله عندهم يدخل في الهياكل.
الفرقة الثانية عشر من أصناف الغالية يزعمون أن علياً هو الله ويكذبون النبي صلى الله عليه وسلم ويشتمونه ويقولون أن علياً وجه به ليبين أمره فادعى الأمر لنفسه.
والصنف الثالث عشر من أصناف الغالية هم أصحاب الشريعي يزعمون أن الله حل في خمسة أشخاص: في النبي وفي علي وفي الحسن وفي الحسين وفي فاطمة فهؤلاء آلهة عندهم، وليس يطعن أصحاب الشريعي على النبي صلى الله عليه وسلم ولا يقولون عنه ما حكيناه عن الصنف الذي ذكرناه قبلهم وقالوا: لهذه الأشخاص الخمسة التي حل فيها الإله خمسة أضداد فالأضداد أبو بكر وعمر عثمان ومعاوية وعمرو بن العاص، وافترقوا في الأضداد على مقالتين: فزعم بعضهم أن الأضداد محمودة لأنه لا يعرف فضل الأشخاص الخمسة إلا بأضدادها فهي محمودة من هذا الوجه، وزعم بعضهم أن الأضداد مذمومة وأنها لا تحمد بحال من الأحوال، وحكي أن الشريعي كان يزعم أن البارئ جل جلاله يحل فيه، وحكي أن فرقة من الرافضة يقال لهم النميرية أصحاب النميري يقولون أن البارئ كان حالاً في النميري.
الفرقة الرابعة عشر من أصناف الغالية وهم السبائية أصحاب عبد الله بن سبأ يزعمون أن علياً لم يمت وأنه يرجع إلى الدنيا قبل يوم القيامة فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وذكروا عنه أنه قال لعلي عليه السلام: أنت أنت، والسبائية يقولون بالرجعة وأن الأموات يرجعون إلى الدنيا، وكان السيد الحميري يقول برجعة الأموات وفي ذلك يقول:
إلى يوم يؤب الناس فيه ... إلى دنياهم قبل الحساب
الفرقة الخامسة عشر من أصناف الغالية يزعمون أن الله عز وجل وكل الأمور وفوضها إلى محمد صلى الله عليه وسلم وأنه أقدره على خلق الدنيا فخلقها ودبرها وأن الله سبحانه لم يخلق من ذلك شيئاً، ويقول ذلك كثير منهم في علي، ويزعمون أن الأيمة ينسخون الشرائع ويهبط عليهم الملائكة وتظهر عليهم الأعلام والمعجزات ويوحى إليهم.
ومنهم من يسلم على السحاب ويقول إذا مرت سحابة به أن علياً رضوان الله عليه.
o   الصنف الثاني من الأصناف الثلاثة التي ذكرنا بأن الشيعة يجمعها ثلاثة أصناف وهم الرافضة وإنما سموا رافضة لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر وهم مجمعون على أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على استخلاف علي بن أبي طالب باسمه وأظهر ذلك وأعلنه وأن أكثر الصحابة ضلوا بتركهم الاقتداء به بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وأن الإمامة لا تكون إلا بنص وتوقيف وأنها قرابة وأنه جائز للإمام في حال التقية أن يقول أنه ليس بإمام، وأبطلوا جميعاً الاجتهاد في الأحكام، وزعموا أن الإمام لا يكون إلا أفضل الناس، وزعموا أن علياً رضوان الله عليه كان مصيباً في جميع أحواله وأنه لم يخطئ في شيء من أمور الدين إلا الكاملية أصحاب أبي كامل فإنهم أكفروا الناس بترك الاقتداء به وأكفروا علياً بترك الطلب، وأنكروا الخروج على أيمة الجور وقالوا: ليس يجوز ذلك دون الإمام المنصوص على إمامته، وهم سوى الكاملية أربع وعشرون فرقة وهم يدعون الإمامية لقولهم بالنص على إمامة علي بن أبي طالب.
فالفرقة الأولى منهم وهم القطعية وإنما سموا قطعية لأنهم قطعوا على موت موسى بن جعفر بن محمد بن علي وهم جمهور الشيعة يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على إمامة علي بن أبي طالب واستخلفه بعده بعينه واسمه وأن علياً نص على إمامة ابنه الحسن بن علي وأن الحسن بن علي نص على إمامة أخيه الحسين بن علي وأن الحسين بن علي نص على إمامة ابنه علي بن الحسين وأن علي بن الحسين نص على إمامة ابنه محمد بن علي وأن محمد بن علي نص على إمامة ابنه جعفر بن محمد وأن جعفر بن محمد نص على إمامة ابنه موسى بن جعفر وأن موسى بن جعفر نص على إمامة ابنه علي بن موسى وأن علي بن موسى نص على إمامة ابنه محمد بن علي بن موسى وأن محمد بن علي نص على إمامة ابنه علي بن محمد بن علي بن موسى وأن علي بن محمد بن علي بن موسى نص على إمامة ابنه الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى وهو الذي كان بسامرا وأن الحسن بن علي نص على إمامة ابنه محمد بن الحسن بن علي وهو الغائب المنتظر عندهم الذي يدعون أنه يظهر فيملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً.
والفرقة الثانية منهم وهم الكيسانية وهي إحدى عشرة فرقة وإنما سموا كيسانية لأن المختار الذي خرج وطلب بدم الحسين بن علي ودعا إلى محمد بن الحنفية كان يقال له كيسان ويقال إنه مولى لعلي بن أبي طالب رضوان الله عليه.
والفرقة الأولى من الكيسانية وهي الثانية من الرافضة يزعمون أن علي بن أبي طالب نص على إمامة ابنه محمد بن الحنفية لأنه دفع إليه الراية بالبصرة.
والفرقة الثالثة من الرافضة وهي الثانية من الكيسانية يزعمون أن علي بن أبي طالب نص على إمامة ابنه الحسن بن علي وأن الحسن بن علي نص على إمامة أخيه الحسين بن علي وأن الحسين بن علي نص على إمامة أخيه محمد بن علي وهو محمد بن الحنفية.
والفرقة الرابعة من الرافضة وهي الثالثة من الكيسانية وهي الكربية أصحاب أبي كرب الضرير يزعمون أن محمد بن الحنفية حي بجبال رضوى أسد عن يمينه ونمر عن شماله يحفظانه يأتيه رزقه غدوة وعشية إلى وقت خروجه، وزعموا أن السبب الذي من أجله صبر على هذا الحال أن يكون مغيباً عن الخلق أن لله تعالى فيه تدبيراً لا يعلمه غيره، ومن القائلين بهذا القول كثير الشاعر وفي ذلك يقول:
ألا إن الأيمة من قريش ... ولاة الحق أربعة سواء
علي والثلاثة من بنيه ... هم الأسباط ليس بهم خفاء
فسبط سبط إيمان وبر ... وسبط غيبته كربلاء
وسبط لا يذوق الموت حتى ... يقود الخيل يقدمها اللواء
تغيب لا يرى فيهم زماناً ... برضوى عنده عسل وماء
والفرقة الخامسة من الرافضة وهي الرابعة من الكيسانية يزعمون أن محمد بن الحنفية إنما جعل بجبال رضوى عقوبة لركونه إلى عبد الملك بن مران وبيعته إياه.
والفرقة السادسة من الرافضة وهي الخامسة من الكيسانية يزعمون أن محمد بن الحنفية مات وأن الإمام بعده ابنه أبو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية.
والفرقة السابعة من الرافضة وهي السادسة من الكيسانية لا يزعمون أن البارئ عالم في نفسه كما قال شيطان الطاق ولكنهم يزعمون أن الله عز وجل لا يعلم الشيء حتى يؤثر أثره والتأثير عندهم الإرادة فإذا أراد الشيء علمه وإذا لم يرده لم يعلمه ومعنى أراد عندهم أنه تحرك حركة هي إرادة فإذا تحرك علم الشيء وإلا لم يجز الوصف له بأنه عالم به، وزعموا أنه لا يوصف بالعلم بما لا يكون.
والفرقة الثامنة من الرافضة وهي السابعة من الكيسانية يزعمون أن الإمام بعد أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية ابن أخيه الحسن بن محمد بن الحنفية وأن أبا هاشم أوصى إليه ثم أوصى الحسن إلى ابنه علي بن الحسن وهلك علي ولم يعقب فهم ينتظرون رجعة محمد بن الحنفية ويقولون أنه يرجع ويملك فهم اليوم في التيه لا إمام لهم إلى أن يرجع إليهم محمد بن الحنفية في زعمهم.
والفرقة التاسعة من الرافضة وهي الثامنة من الكيسانية يزعمون أن الإمام بعد أبي هاشم محمد بن علي بن عبد الله بن العباس قالوا: وذلك أن أبا هاشم مات بأرض الشراة منصرفه من الشام فأوصى هناك إلى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس وأوصى محمد بن علي إلى ابنه إبراهيم بن محمد ثم أوصى إبراهيم بن محمد إلى أبي العباس ثم أفضت الخلافة إلى أبي جعفر المنصور بوصية بعضهم إلى بعض، ثم رجع بعض هؤلاء عن هذا القول وزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على العباس بن عبد المطلب ونصبه إماماً ثم نص العباس على إمامة ابنه عبد الله ونص عبد الله على إمامة ابنه علي بن عبد الله ثم ساقوا الإمامة إلى أن انتهوا بها إلى أبي جعفر المنصور وهؤلاء هم الراوندية، وافترقت هذه الفرقة في أمر أبي مسلم على مقالتين: فزعمت فرقة منهم تدعى الرزامية أصحاب رجل يقال له رزام أن أبا مسلم قتل، وقالت فرقة أخرى يقال لها أبو مسلمية أن أبا مسلم حي لم يمت، ويحكى عنهم استحلال لما لم يحلل لهم أسلافهم.
والفرقة العاشرة من الرافضة وهي الحربية أصحاب عبد الله بن عمرو بن حرب وهي التاسعة من الكيسانية يزعمون أن أبا هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية نصب عبد الله بن عمرو بن حرب إماماً وتحولت روح أبي هاشم فيه، ثم وقفوا على كذب عبد الله بن عمرو بن حرب فصاروا إلى المدينة يلتمسون إماماً فلقوا عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فدعاهم إلى أن يأتموا به فاستجابوا له ودانوا بإمامته وادعوا له الوصية، وافترقوا في أمر عبد الله بم معاوية ثلاث فرق: فزعمت فرقة منهم أنه قد مات، وزعمت فرقة منهم أخرى أنه بجبال أصبهان وأنه لم يمت ولا يموت حتى يقود بنواصي الخيل إلى رجال من بني هاشم، وزعمت فرقة أخرى أنه حي بجبال أصبهان لم يمت ولا يموت حتى يلي أمور الناس وهو المهدي الذي بشر به النبي صلى الله عليه وسلم.
والصنف الحادي عشر من الرافضة وهي البيانية أصحاب بيان بن سمعان التميمي وهو الصنف العاشر من الكيسانية يزعمون أن أبا هاشم أوصى إلى بيان بن سمعان التميمي وأنه لم يكن له أن يوصي بها إلى عقبه.
والصنف الثاني عشر من الرافضة وهو الحادي عشر من الكيسانية يزعمون أن الإمام بعد أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
والصنف الثالث عشر من الرافضة وهم الذين يسوقون النص من النبي صلى الله عليه وسلم على إمامة علي حتى ينتهوا بها إلى علي بن الحسين وهم المغيرية أصحاب المغيرة بن سعيد يزعمون أن الإمام بعد علي بن الحسين ابنه محمد بن علي بن الحسين أبو جعفر وأن أبا جعفر أوصى إلى المغيرة بن سعيد فهم يأتمون به إلى أن يخرج المهدي والمهدي فيما زعموا هو محمد بن عبد الله بن الحسن ابن الحسن بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم وزعموا أنه حي مقيم بجبال ناحية الحاجر وأنه لا يزال مقيماً هناك إلى أوان خروجه، وإذا قلنا عن صنف أنهم يسوقون الإمامة إلى علي بن الحسين فإنما نعني الذين يقولون أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على إمامة علي وأن علياً نص على إمامة الحسن وأن الحسن نص على إمامة الحسين وأن الحسين نص على إمامة علي بن الحسين.
والصنف الرابع عشر من الرافضة يسوقون الإمامة من علي بن أبي طالب حتى ينتهوا بها إلى علي بن الحسين ثم يزعمون أن الإمام بعد علي بن الحسين أبو جعفر محمد بن علي وأن الإمام بعد أبي جعفر محمد بن عبد الله بن الحسن الخارج بالمدينة وزعموا أنه المهدي وأنكروا إمامة المغيرة بن سعد.
والصنف الخامس عشر من الرافضة يسوقون الإمامة من علي حتى ينتهوا بها إلى علي بن الحسين ويزعمون أن علي بن الحسين نص على إمامة أبي جعفر محمد بن علي وأن أبا جعفر محمد بن علي أوصى إلى أبي منصور ثم اختلفوا فرقتين: فرقة يقال لها الحسينية يزعمون أن أبا منصور أوصى إلى ابنه الحسين بن أبي منصور وهو الإمام بعده، وفرقة أخرى يقال لها المحمدية مالت إلى تثبيت أمر محمد بن عبد الله بن الحسن وإلى القول بإمامته وقالوا: إنما أوصى أبو جعفر إلى أبي منصور دون بني هاشم كما أوصى موسى صلى الله عليه إلى يوشع بن نون دون ولده ودون ولد هارون ثم إن الأمر بعد أبي منصور راجع إلى ولد علي كما رجع الأمر بعد يوشع بن نون إلى ولد هارون قالوا: وإنما أوصى موسى عليه السلام إلى يوشع بن نون دون ولده ودون ولد هارون لئلا يكون بين البطنين اختلاف فيكون يوشع هو الذي يدل على صاحب الأمر فكذلك أبو جعفر أوصى إلى أبي منصور وزعموا أن أبا منصور قال: إنما أنا مستودع وليس لي أن أضعها في غيري ولكن القائم هو محمد بن عبد الله.
والصنف السادس عشر من الرافضة يسوقون الإمامة إلى أبي جعفر محمد بن علي وأن أبا جعفر نص على إمامة جعفر بن محمد وأن جعفر بن محمد حي لم يمت ولا يموت حتى يظهر أمره وهو القائم المهدي، وهذه الفرقة تسمى الناوسية لقبوا برئيس لهم يقال له عجلان بن ناوس من أهل البصرة.
والصنف السابع عشر من الرافضة يزعمون أن جعفر بن محمد مات وأن الإمام بعد جعفر ابنه إسماعيل وأنكروا أن يكون إسماعيل مات في حياة أبيه وقالوا: لا يموت حتى يملك لأن أباه قد كان يخبر أنه وصيه والإمام بعده.
والصنف الثامن عشر من الرافضة وهم القرامطة يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على علي بن أبي طالب وأن علياً نص على إمامة ابنه الحسن وأن الحسن بن علي نص على إمامة أخيه الحسين بن علي وأن الحسين بن علي نص على إمامة ابنه علي بن الحسين وأن علي بن الحسين نص على إمامة ابنه محمد بن علي ونص محمد بن علي على إمامة ابنه جعفر ونص جعفر على إمامة ابن ابنه محمد بن إسماعيل وزعموا أن محمد بن إسماعيل حي إلى اليوم لم يمت ولا يموت حتى يملك الأرض وأنه هو المهدي الذي تقدمت البشارة به واحتجوا في ذلك بأخبار رووها عن أسلافهم يخبرون فيها أن سابع الأئمة قائمهم.
والصنف التاسع عشر من الرافضة يسوقون الإمامة من علي بن أبي طالب على سبيل ما حكينا عن القرامطة حتى ينتهوا بها إلى جعفر بن محمد ويزعمون أن جعفر بن محمد جعلها لإسماعيل ابنه دون سائر ولده فلما مات إسماعيل في حياة أبيه صارت في ابنه محمد بن إسماعيل وهذا الصنف يدعون المباركية نسبوا إلى رئيس لهم يقال له المبارك وزعموا أن محمد بن إسماعيل قد مات وأنها في ولده من بعده.
والصنف العشرون من الرافضة يسوقون الإمامة من علي على ما حكينا عمن تقدمهم حتى ينتهوا بها إلى جعفر بن محمد ويزعمون أن الإمام بعد جعفر محمد بن جعفر ثم هي في ولده من بعده، وهم السميطية نسبوا إلى رئيس لهم يقال له يحيى بن أبي سميط.
والصنف الحادي والعشرون من الرافضة يسوقون الإمامة من علي إلى جعفر بن محمد على ما حكينا عمن تقدم شرحنا لقوله آنفاً ويزعمون أن الإمام بعد جعفر ابنه عبد الله بن جعفر وكان أكبر من خلف من ولده وهي في ولده، وأصحاب هذه المقالة يدعون العمارية نسبوا إلى رئيس لهم يعرف بعمار ويدعون الفطحية لأن عبد الله بن جعفر كان أفطح الرجلين، وأهل هذه المقالة يرجعون إلى عدد كثير.
فأما زرارة فإن جماعة من العمارية تدعي أنه كان على مقالتها وأنه لم يرجع عنها، وزعم بعضهم أنه رجع عن ذلك حين سأل عبد الله بن جعفر عن مسائل لم يجد عنده جوابها وصار إلى الائتمام بموسى بن جعفر بن محمد، وأصحاب زرارة يدعون الزرارية ويدعون التميمية.
والصنف الثاني والعشرون من الرافضة يسوقون الإمامة حتى ينتهوا بها إلى جعفر بن محمد ويزعمون أن جعفر بن محمد نص على إمامة ابنه موسى بن جعفر وأن موسى بن جعفر حي لم يمت ولا يموت حتى يملك شرق الأرض وغربها حتى يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وهذا الصنف يدعون الواقفة لأنهم وقفوا على موسى بن جعفر ولم يجاوزوه إلى غيره، وبعض مخالفي هذه الفرقة يدعوهم الممطورة وذلك أن رجلاً منهم ناظر يونس بن عبد الرحمن ويونس من القطعية الذين قطعوا على موت موسى بن جعفر فقال له يونس: أنتم أهون علي من الكلاب الممطورة فلزمهم هذا النبز.
والقائلون بإمامة موسى بن جعفر يدعون الموسائية لقولهم بإمامة موسى بن جعفر ويدعون المفضلية لأنهم نسبوا إلى رئيس لهم يقال له المفضل بن عمر وكان ذا قدر فيهم، وفرقة من الموسائية وقفوا في أمر موسى بن جعفر فقالوا: لا ندري أمات أم لم يمت إلا أنا مقيمون على إمامته حتى يضح لنا أمر غيره وإن وضحت لنا إمامة غيره كما وضحت لنا إمامته قلنا بذلك وأنقدنا له.
وقد ذكرنا قول القطعية الذين قطعوا على موت موسى بن جعفر في أول ذكرنا لأقاويل الرافضة وشرحنا ذلك وتبيناه.
والصنف الثالث والعشرون من الرافضة يسوقون الإمامة من علي إلى موسى بن جعفر كما حكينا من قول المتقدمين غير أنهم يقولون أن موسى بن جعفر نص على إمامة ابنه أحمد بن موسى بن جعفر.
والصنف الرابع والعشرون من الرافضة يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على علي وأن علياً نص على الحسن بن علي ثم انتهت الإمامة إلى محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر كما حكينا عن أول فرقة من الرافضة، ويزعمون أن محمد بن الحسن بعده إمام هو القائم الذي يظهر فيملأ الدنيا عدلاً ويقمع الظلم والأولون قالوا أن محمد بن الحسن هو القائم الذي يظهر فيملأ الدنيا عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
واختلفت الروافض القائلون بإمامة محمد بن علي بن موسى بن جعفر لتقارب سنه ضرباً من الاختلاف آخر وذلك أن أباه توفي وهو ابن ثماني سنين - وقال بعضهم: بل توفي وله أربع سنين - هل كان في تلك الحال إماماً واجب الطاعة على مقالتين: فزعم بعضهم أنه كان في تلك الحال إماماً واجب الطاعة عالماً بما يعلمه الأيمة من الأحكام وجميع أمور الدنيا يجب الائتمام والاقتداء به كما وجب الائتمام والاقتداء بسائر الأيمة من قبله.
وزعم بعضهم أنه كان في تلك الحال إماماً على معنى أن الأمر كان فيه وله دون الناس وعلى أنه لا يصلح لذلك الموضع في ذلك الوقت أحد غيره وأما أن يكون اجتمع فيه في تلك الحال ما اجتمع في غيره من الأيمة المتقدمين فلا، وزعموا أنه لم يكن يجوز في تلك الحال أن يؤمهم ولكن الذي يتولى الصلاة لهم وينفذ أحكامهم في ذلك الوقت غيره من أهل الفقه والدين والصلاح إلى أن يبلغ المبلغ الذي يصلح هذا فيه.
تم الكلام في الغلاة والإمامية.
أقوالهم في التجسيم:
واختلفت الروافض أصحاب الإمامة في التجسيم وهم ست فرق:
فالفرقة الأولى الهشامية أصحاب هشام بن الحكم الرافضي يزعمون أن معبودهم جسم وله نهاية وحد طويل عريض عميق طوله مثل عرضه وعرضه مثل عمقه لا يوفي بعضه على بعض ولم يعينوا طولاً غير الطويل، وإنما قالوا: طوله مثل عرضه على المجاز دون التحقيق، وزعموا أنه نور ساطع له قدر من الأقدار في مكان دون مكان كالسبيكة الصافية يتلألأ كاللؤلؤة المستديرة من جميع جوانبها ذو لون وطعم ورائحة ومجسة لونه هو طعمه وطعمه هو رائحته ورائحته هي مجسته وهو نفسه لون ولم يعينوا لوناً ولا طعماً هو غيره وزعموا أنه هو اللون وهو الطعم وأنه قد كان لا في مكان ثم حدث المكان بأن تحرك البارئ فحدث المكان بحركته فكان فيه وزعم أن المكان هو العرش، وذكر أبو الهذيل في بعض كتبه أن هشام بن الحكم قال له: أن ربه جسم ذاهب جاء فيتحرك تارة ويسكن أخرى ويقعد مرة ويقوم أخرى وأنه طويل عريض عميق لأن ما لم يكن كذلك دخل في حد التلاشي قال فقلت له: فأيما أعظم إلهك أم هذا الجبل وأومأت إلى أبي قبيس قال: فقال: هذا الجبل يوفي عليه أي هو أعظم منه، وذكر أيضاً ابن الراوندي أن هشام بن الحكم كان يقول: أن بين إلهه وبين الأجسام المشاهدة تشابهاً من جهة من الجهات لولا ذلك ما دلت عليه، وحكي عنه خلاف هذا أنه كان يقول أن جسم ذو أبعاض لا يشبهها ولا تشبهه، وحكى الجاحظ عن هشام بن الحكم في بعض كتبه أنه كان يزعم أن الله جل وعز إنما يعلم ما تحت الثرى بالشعاع المتصل منه الذاهب في عمق الأرض ولولا ملابسته لما وراء ما هناك لما دري ما هناك، وزعم أن بعضه يشوب وهو شعاعه وأن الشوب محال على بعضه، ولو زعم هشام أن الله تعالى يعلم ما تحت الثرى بغير اتصال ولا خبر ولا قياس كان قد ترك تعلقه بالمشاهدة وقال بالحق.
وذكر عن هشام انه قال في ربه في عام واحد خمسة أقاويل زعم مرة انه كالبلورة وزعم مرة انه كالسبيكة وزعم مرة انه بشبر نفسه سبعة أشبار ثم رجع عن ذلك وقال: هو جسم لا كالأجسام، وزعم الوراق أن بعض أصحاب هشام أجابه مرة إلى أن الله عز وجل على العرش مماس له وأنه لا يفضل عن العرش ولا يفضل العرش عنه.
والفرقة الثانية من الرافضة يزعمون أن ربهم ليس بصورة ولا كالأجسام وإنما يذهبون في قولهم أنه جسم إلى أنه موجود ولا يثبتون البارئ ذا أجزاء مؤتلفة وأبعاض متلاصقة ويزعمون أن الله عز وجل على العرش مستو بلا مماسة ولا كيف.
والفرقة الثالثة من الرافضة الهشامية أصحاب هشام بن سالم الجواليقي يزعمون أن ربهم على صورة الإنسان وينكرون أن يكون لحماً ودماً ويقولون هو نور ساطع يتلألأ بياضاً وأنه ذو حواس خمس كحواس الإنسان له يد ورجل وأنف وأذن وعين وفم وأنه يسمع بغير ما يبصر به وكذلك سائر حواسه متغايرة عندهم، وحكى أبو عيسى الوراق أن هشام بن سالم كان يزعم أن لربه وفرة سوداء وأن ذلك نور أسود.
والفرقة الخامسة من الرافضة يزعمون أن رب العالمين ضياء خالص ونور بحت وهو كالمصباح الذي من حيث ما جئته يلقاك بأمر واحد وليس بذي صورة ولا أعضاء ولا اختلاف في الأجزاء وأنكروا أن يكون على صورة الإنسان أو على صورة شيء من الحيوان.
والفرقة السادسة من الرافضة يزعمون أن ربهم ليس بجسم ولا بصورة ولا يشبه الأشياء ولا يتحرك ولا يسكن ولا يماس، وقالوا في التوحيد بقول المعتزلة والخوارج، وهؤلاء قوم من متأخريهم فأما أوائلهم فإنهم كانوا يقولون ما حكينا عنهم من التشبيه.
واختلفت الرافضة في حملة العرش هل يحملون العرش أم يحملون البارئ عز وجل وهم فرقتان: فرقة يقال لها اليونسية أصحاب يونس بن عبد الرحمن القمي مولى آل يقطين يزعمون أن الحملة يحملون البارئ واحتج يونس في أن الحملة تطيق حمله وشبههم بالكركي وأن رجليه تحملانه وهما دقيقتان، وقالت فرقة أخرى أن الحملة تحمل العرش والبارئ يستحيل أن يكون محمولاً.
واختلفت الروافض هل يوصف البارئ بالقدرة على أن يظلم أم لا: فأبى ذلك قوم وأجازه آخرون.
واختلفت الروافض في القول أن الله سبحانه عالم حي قادر سميع بصير إله وهم تسع فرق: فالفرقة الأولى منهم الزرارية أصحاب زرارة بن أعين الرافضي يزعمون أن الله لم يزل غير سميع ولا عليم ولا بصير حتى خلق ذلك لنفسه وهم يسمون التيمية ورئيسهم زرارة بن أعين.
مقالات الإسلاميين - (ج 1 / ص 11)
والفرقة الثانية منهم السيابية أصحاب عبد الرحمن بن سيابة يقفون في هذه المعاني ويزعمون أن القول فيها ما يقول جعفر كائناً قوله ما كان ولا يصوبون في هذه الأشياء قولاً.
والفرقة الثالثة منهم يزعمون أن الله عز وجل لا يوصف بأنه لم يزل إلهاً قادراً ولا سميعاً بصيراً حتى يحدث الأشياء لأن الأشياء التي كانت قبل أن تكون ليست بشيء ولن يجوز أن يوصف بالقدرة لا على شيء وبالعلم لا بشيء، وكل الروافض إلا شرذمة قليلة يزعمون أنه يريد الشيء ثم يبدو له فيه.
والفرقة الرابعة من الروافض يزعمون أن الله لم يزل لا حياً ثم صار حياً.
والفرقة الخامسة من الروافض وهم أصحاب شيطان الطاق يزعمون أن الله عالم في نفسه ليس بجاهل ولكنه إنما يعلم الأشياء إذا قدرها وأرادها فأما قبل أن يقدرها ويريدها فمحال أن يعلمها لا لأنه ليس بعالم ولكن الشيء لا يكون شيئاً حتى يقدره ويثبته بالتقدير والتقدير عندهم الإرادة.
والفرقة السادسة من الرافضة أصحاب هشام بن الحكم يزعمون أنه محال أن يكون الله لم يزل عالماً بالأشياء بنفسه وأنه إنما يعلم الأشياء بعد أن لم يكن بها عالماً وأنه يعلمها بعلم وأن العلم صفة له ليست هي هو ولا غيره ولا بعضه فيجوز أن يقال العلم محدث أو قديم لأنه صفة والصفة لا توصف قال: ولو كان لم يزل عالماً لكانت المعلومات لم تزل لأنه لا يصح عالم إلا بمعلوم موجود قال: ولو كان عالماً بما يفعله لم يصح المحنة والاختبار.
وقال هشام في سائر صفات الله عز وجل كقدرته وحياته وسمعه وبصره وإرادته أنها صفات لله لا هي الله ولا غير الله، وقد اختلف عنه في القدرة والحياة فمن الناس من يحكي عنه أنه كان يزعم أن البارئ لم يزل حياً قادراً ومنهم من ينكر أن يكون قال ذلك.
والفرقة السابعة من الرافضة لا يزعمون أن البارئ عالم في نفسه كما قال شيطان الطاق ولكنهم يزعمون أن الله عز وجل لا يعلم الشيء حتى يؤثر أثره والتأثير عندهم الإرادة فإذا أراد الشيء علمه وإذا لم يرده لم يعلمه ومعنى أراد عندهم أنه تحرك حركة هي إرادة فإذا تحرك علم الشيء وإلا لم يجز الوصف له بأنه عالم به، وزعموا أنه لا يوصف بالعلم بما لا يكون.
والفرقة الثامنة من الرافضة يقولون أن معنى أن الله يعلم أنه يفعل فإن قيل لهم: أتقولون أن الله لم يزل عالماً بنفسه؟ اختلفوا فمنهم من يقول: لم يزل لا يعلم بنفسه حتى فعل العلم لأنه قد كان ولما يفعل، ومنهم من يقول: لم يزل يعلم بنفسه فإن قيل لهم: فلم يزل يفعل؟ قالوا: نعم ولا نقول بقدم الفعل.
ومن الرافضة من يزعم أن الله يعلم ما يكون قبل أن يكون إلا أعمال العباد فإنه لا يعلمها إلا في حال كونها.
والفرقة التاسعة من الرافضة يزعمون أن الله لم يزل عالماً حياً قادراً ويميلون إلى نفي التشبيه ولا يقولون بحدث العلم ولا بما حكيناه من التجسيم وسائر ما أخبرنا به من التشبيه عنهم.
وافترقت الرافضة هل البارىء يجوز أن يبدو له إذا أراد شيئاً أم لا على ثلاث مقالات: فالفرقة الأولى منهم يقولون أن الله تبدو له البداوات وأنه يريد أن يفعل الشيء في وقت من الأوقات ثم لا يحدثه لما يحدث له من البداء وأنه إذا أمر بشريعة ثم نسخها فإنما ذلك لأنه بدا له فيها وأن ما علم أنه يكون ولم يطلع عليه أحداً من خلقه فجائز عليه البداء فيه وما اطلع عليه عباده فلا يجوز عليه البداء فيه.
والفرقة الثانية منهم يزعمون أنه جائز على الله البداء فيما علم أنه يكون حتى لا يكون وجوزوا ذلك فيما اطلع عليه عباده وأنه لا يكون كما جوزوه فيما لم يطلع عليه عباده.
والفرقة الثالثة منهم يزعمون أنه لا يجوز على الله عز وجل البداء وينفون ذلك عنه تعالى.
واختلفت الروافض في القرآن وهم فرقتان: فالفرقة الأولى منهم هشام بن الحكم وأصحابه يزعمون أن القرآن لا خالق ولا مخلوق، وزاد بعض من يخبر على المقالات في الحكاية عن هشام فزعم أنه كان يقول: لا خالق ولا مخلوق ولا يقال أيضاً غير مخلوق لأنه صفة والصفة لا توصف، وحكى زرقان عن هشام بن الحكم أنه قال: القرآن على ضربين: إن كنت تريد المسموع فقد خلق الله عز وجل الصوت المقطع وهو رسم القرآن فأما القرآن فهو فعل الله مثل العلم والحركة لا هو هو ولا غيره.
مقالات الإسلاميين - (ج 1 / ص 12)
والفرقة الثانية منهم يزعمون أنه مخلوق محدث لم يكن ثم كان كما تزعم المعتزلة والخوارج، وهؤلاء قوم من المتأخرين منهم.
واختلفت الرافضة في أعمال العباد هل هي مخلوقة وهم ثلاث فرق: فالفرقة الأولى منهم وهو هشام بن الحكم يزعمون أن أعمال العباد مخلوقة لله، وحكى جعفر بن حرب عن هشام بن الحكم أنه كان يقول أن أفعال الإنسان اختيار له من وجه اضطرار من وجه اختار من جهة أنه أرادها واكتسبها واضطرار من جهة أنها لا تكون منه إلا عند حدوث السبب المهيج لها.
والفرقة الثانية منهم يزعمون أنه لا جبر كما قال الجهمي ولا تفويض كما قالت المعتزلة لأن الرواية عن الأيمة زعموا جاءت بذلك ولم يتكلفوا أن يقولوا في أعمال العباد هل هي مخلوقة أم لا شيئاً.
والفرقة الثالثة منهم يزعمون أن أعمال العباد غير مخلوقة لله، وهذا قول قوم يقولون بالاعتزال والإمامة.
واختلفت الروافض في إرادة الله سبحانه وهم أربع فرق: فالفرقة الأولى منهم أصحاب هشام بن الحكم وهشام الجواليقي يزعمون أن إرادة الله عز وجل حركة وهي معنى لا هي الله ولا هي غيره وأنها صفة لله ليست غيره وذلك أنهم يزعمون أن الله إذا أراد الشيء تحرك فكان ما أراد تعالى عن ذلك.
والفرقة الثانية منهم أبو مالك الحضرمي وعلي بن ميثم ومن تابعهما يزعمون أن إرادة الله غيره وهي حركة لله كما قال هشام إلا أن هؤلاء خالفوه فزعموا أن الإرادة حركة وأنها غير الله بها يتحرك.
والفرقة الثالثة منهم وهم القائلون بالاعتزال والإمامة يزعمون أن إرادة الله ليست بحركة، فمنهم من أثبتها غير المراد فيقول أنها مخلوقة لله لا بإرادة، ومنهم من يقول: إرادة الله سبحانه لتكوين الشيء هو الشيء وإرادته لأفعال العباد هي أمره إياهم بالفعل وهي غير فعلهم وهم يأبون أن يكون الله سبحانه أراد المعاصي فكانت.
والفرقة الرابعة منهم يقولون: لا نقول قبل الفعل إن الله أراده فإذا فعلت الطاعة قلنا أرادها وإذا فعلت المعصية فهو كاره لها غير محب لها.
واختلفت الروافض في الاستطاعة وهم أربع فرق: فالفرقة الأولى منهم أصحاب هشام بن الحكم يزعمون أن الاستطاعة خمسة أشياء الصحة وتخلية الشؤون والمدة في الوقت والآلة التي بها يكون الفعل كاليد التي يكون بها اللطم والفأس التي تكون بها النجارة والإبرة التي تكون بها الخياطة وما أشبه ذلك من الآلات والسبب الوارد المهيج الذي من أجله يكون الفعل فإذا اجتمعت هذه الأشياء كان الفعل واقعاً، فمن الاستطاعة ما هو قبل الفعل موجود ومنها ما لا يوجد إلا في حال الفعل وهو السبب، وزعم أن الفعل لا يكون إلا بالسبب الحادث فإذا وجد ذلك السبب وأحدثه الله كان الفعل لا محالة وأن الموجب للفعل هو السبب وما سوى ذلك من الاستطاعة لا يوجبه.
والفرقة الثانية منهم زرارة بن أعين وعبيد بن زرارة ومحمد بن حكيم وعبد الله بن بكير وهشام بن سالم الجواليقي وحميد بن رباح وشيطان الطاق يزعمون أن الاستطاعة قبل الفعل وهي الصحة وبها يستطيع المستطيع فكل صحيح مستطيع، وكان شيطان الطاق يقول: لا يكون الفعل إلا أن يشاء الله.
وحكي عن هشام بن سالم أن الاستطاعة جسم وهي بعض المستطيع ومن الرافضة من يقول: الاستطاعة كل ما لا ينال الفعل إلا به وذلك كله قبل الفعل، والقائل بهذا هشام بن حرول.
والفرقة الثالثة منهم أصحاب أبي مالك الحضرمي يزعمون أن الإنسان مستطيع للفعل في حال الفعل وأنه يستطيعه لا باستطاعة في غيره وحكى زرقان عنه أنه كان يزعم أن الاستطاعة قبل الفعل للفعل ولتركه.
والفرقة الرابعة منهم يزعمون أن الإنسان إن كان قادراً بآلات وجد فهو قادر من وجه وغير قادر من وجه.
واختلفت الروافض في أفعال الناس والحيوان هل هي أشياء أم ليست أشياء وهل هي أجسام أم لا وهم ثلاث فرق: فالفرقة الأولى منهم الهشامية أصحاب هشام بن الحكم يزعمون أن الأفعال صفات للفاعلين ليست هي هم ولا غيرهم وأنها ليست بأجسام ولا أشياء، وحكي عنه أنه قال: هي معان وليست بأشياء ولا أجسام، وكذلك قوله في صفات الأجسام كالحركات والسكنات والإرادات والكراهات والكلام والطاعة والمعصية والكفر والإيمان، فأما الألوان والطعوم والأراييح فكان يزعم أنها أجسام وأن لون الشيء هو طعمه وهو رائحته، وحكى زرقان عنه أنه قال: الحركة فعل والسكون ليس بفعل.
مقالات الإسلاميين - (ج 1 / ص 13)
والفرقة الثانية منهم يزعمون أن حركات العباد وأفعالهم وسكناتهم أشياء وهي أجسام وأنه لا شيء إلا الأجسام وأن العباد يفعلون الأجسام، وهذا قول الجواليقية وشيطان الطاق.
والفرقة الثالثة منهم وهم القائلون بالاعتزال والإمامة يقولون في ذلك كأقاويل المعتزلة ويختلفون فيه كاختلافهم، فمنهم قوم يزعمون أن أفعال الإنسان وسائر الحيوان أعراض وكذلك قولهم في الألوان والطعوم والأراييح والأصوات وسائر صفات الأجسام، وسنذكر اختلاف المعتزلة في ذلك عند ذكرنا أقاويل المعتزلة فلهذه العلة لم نستقص أقاويل المعتزلة في هذا الموضع من كتابنا إذ كنا إنما نحكي في هذا الموضع أقاويل الشيع دون غيرهم.
واختلفت الروافض فيما يتولد عن فعل الإنسان هل هو فعله وهل يحدث الفاعل فعلاً في غيره أو لا يحدث الفعل إلا في نفسه وهم فرقتان: فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن الفاعل لا يفعل في غيره فعلاً ولا يفعل إلا في نفسه ولا يثبتون الإنسان فاعلاً لما يتولد عن فعله كالألم المتولد عن الضربة واللذة التي تحدث عند الأكل وسائر المتولدات.
والفرقة الثانية منهم وهم القائلون بالاعتزال والنص على علي بن أبي طالب يزعمون أن الفاعل منا ما يحدث الفعل في غيره وأن ما يتولد عن فعله كالألم المتولد عن الضربة والصوت المتولد عن اصطكاك الحجرين وذهاب السهم المتولد عن الرمية فعل لمن تولد عن ذلك فعله.
واختلفت الروافض في رجعة الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة وهم فرقتان: فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن الأموات يرجعون إلى الدنيا قبل يوم الحساب، وهذا قول الأكثر منهم، وزعموا أنه لم يكن في بني إسرائيل شيء إلا ويكون في هذه الأمة مثله وأن الله سبحانه قد أحي قوماً من بني إسرائيل بعد الموت فكذلك يحيي الأموات في هذه الأمة ويردهم إلى الدنيا قبل يوم القيامة.
والفرقة الثانية منهم وهم أهل الغلو ينكرون القيامة والآخرة ويقولون: ليس قيامة ولا آخرة وإنما هي أرواح تتناسخ في الصور فمن كان محسناً جوزي بأن ينقل روحه إلى جسد لا يلحقه فيه ضرر ولا ألم ومن كان مسيئاً جوزي بأن ينقل روحه إلى أجساد يلحق الروح في كونه فيها الضرر والألم وليس شيء غير ذلك وأن الدنيا لا تزال أبداً هكذا.
واختلفت الروافض في القرآن هل زيد فيه أو نقص منه وهم ثلاث فرق: فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن القرآن قد نقص منه وأما الزيادة فذلك غير جائز أن يكون قد كان وكذلك لا يجوز أن يكون قد غير منه شيء عما كان عليه فأما ذهاب كثير منه فقد ذهب كثير منه والإمام يحيط علماً به.
والفرقة الثالثة منهم وهم القائلون بالاعتزال والإمامة يزعمون أن القرآن ما نقص منه ولا زيد فيه وأنه على ما أنزل الله تعالى على نبيه عليه السلام لم يغير ولم يبدل ولا زال عما كان عليه.
واختلفت الروافض في الأيمة هل يجوز أن يكونوا أفضل من الأنبياء أم لا يجوز ذلك وهم ثلاث فرق: فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن الأيمة لا يكونون أفضل من الأنبياء بل الأنبياء أفضل منهم غير أن بعض هؤلاء جوزوا أن يكون الأيمة أفضل من الملائكة.
والفرقة الثانية منهم يزعمون أن الأيمة أفضل من الأنبياء والملائكة وأنه لا يكون أحد أفضل من الأيمة، وهذا قول طوائف منهم.
والفرقة الثالثة منهم وهم القائلون بالاعتزال والإمامة يزعمون أن الملائكة والأنبياء أفضل من الأيمة ولا يجوز أن يكون الأيمة أفضل من الأنبياء والملائكة.
واختلفت الروافض في الرسول عليه السلام هل يجوز عليه أن يعصي أم لا وهم فرقتان: فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن الرسول صلى الله عليه وسلم جائز عليه أن يعصي الله وأن النبي قد عصى الله في أخذ الفداء يوم بدر فأما الأيمة فلا يجوز ذلك عليهم لأن الرسول إذا عصى فالوحي يأتيه من قبل الله والأيمة لا يوحى إليهم ولا تهبط الملائكة عليهم وهم معصومون فلا يجوز عليهم أن يسهوا ولا يغلطوا وإن جاز على الرسول العصيان، والقائل بهذا القول هشام بن الحكم.
مقالات الإسلاميين - (ج 1 / ص 14)
والفرقة الثانية منهم يزعمون أنه لا يجوز على الرسول عليه السلام أن يعصي الله عز وجل ولا يجوز ذلك على الأيمة لأنهم جميعاً حجج الله وهم معصومون من الزلل ولو جاز عليهم السهو واعتماد المعاصي وركوبها لكانوا قد ساووا المأمومين في جواز ذلك عليهم كما جاز على المأمومين ولم يكن المأمومون أحوج إلى الأيمة من الأيمة لو كان ذلك جائزاً عليهم جميعاً.
واختلفت الروافض في الأيمة هل يسع جهلهم وهل الواجب عرفانهم فقط أم الواجب عرفانهم والقيام بالشرائع التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم وهم أربع فرق: فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن معرفة الأيمة واجبة وأن القيام بالشرائع التي جاء بها الرسول واجب وأن من جهل الإمام فمات مات ميتة جاهلية.
والفرقة الثانية منهم يزعمون أن معرفة الإمام إذا أدركها الإنسان لم تلزمه شريعة ولم تجب عليه فريضة وإنما على الناس أن يعرفوا الأيمة فقط فإذا عرفوهم فلا شيء عليهم.
والفرقة الثالثة منهم وهم اليعفورية يزعمون أنه قد يسع جهل الأيمة وهم بذلك لا مؤمنون ولا كافرون.
والفرقة الرابعة منهم يقولون في القدر بقول المعتزلة أن المعارف ضرورة ويفارقون اليعفورية في جهل الأيمة ولا يستحلون الخصومة في الدين واليعفورية أيضاً لا تستحلها.
واختلفت الروافض في الإمام هل يعلم كل شيء أم لا وهم فرقتان: فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن الإمام يعلم كل ما كان وكل ما يكون ولا يخرج شيء عن علمه من أمر الدين ولا من أمر الدنيا، وزعم هؤلاء أن الرسول كان كاتباً ويعرف الكتابة وسائر اللغات.
والفرقة الثانية منهم يزعمون أن الإمام يعلم كل أمور الأحكام والشريعة وإن لم يحط بكل شيء علماً لأنه القيم بالشرائع والحافظ لها ولما يحتاج الناس إليه فأما ما لا يحتاجون إليه فقد يجوز أن لا يعلمه الإمام.
واختلفت الروافض في الأيمة هل يجوز أن تظهر عليهم الأعلام أم لا وهم أربع فرق: فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن الأيمة تظهر عليهم الأعلام والمعجزات كما تظهر على الرسل لأنهم حجج الله سبحانه كما أن الرسل حجج الله ولم يجيزوا هبوط الملائكة بالوحي عليهم.
والفرقة الثانية منهم يزعمون أن الأعلام تظهر عليهم وتهبط الملائكة بالوحي عليهم ولا يجوز أن ينسخوا الشرائع ولا يبدلوها ولا يغيروها.
والفرقة الثالثة منهم يزعمون أن الأعلام تظهر عليهم وتهبط الملائكة بالوحي عليهم ويجوز أن ينسخوا الشرائع ويبدلوها ويغيروها.
والفرقة الرابعة منهم يزعمون أن الأعلام لا تظهر إلا على الرسل وكذلك الملائكة لا تهبط إلا عليهم بالوحي ولا يجوز أن ينسخ الله سبحانه شريعتنا على ألسنتهم بل إنما يحفظون شرائع الرسل ويقومون بها.
واختلفت الروافض في النظر والقياس وهم ثماني فرق: فالفرقة الأولى منهم وهم جمهورهم يزعمون أن المعارف كلها اضطرار وأن الخلق جميعاً مضطرون وأن النظر والقياس لا يؤديان إلى علم وما تعبد الله العباد بهما.
والفرقة الثانية منهم وهم أصحاب شيطان الطاق يزعمون أن المعارف كلها اضطرار وقد يجوز أن يمنعها الله سبحانه بعض الخلق فإذا منعها بعض الخلق وأعطاها بعضهم كلفهم الإقرار مع منعه إياهم المعرفة.
والفرقة الثالثة منهم وهم أصحاب أبي مالك الحضرمي يزعمون أن المعارف كلها اضطرار وقد يجوز أن يمنعها الله بعض الخلق فإذا منعها الله بعض الخلق وأعطاها بعضهم كلفهم الإقرار مع منعه إياهم المعرفة.
والفرقة الرابعة منهم أصحاب هشام بن الحكم يزعمون أن المعرفة كلها اضطرار بإيجاب الخلقة وأنها لا تقع إلا بعد النظر والاستدلال يعنون بما لا يقع منها إلا بعد النظر والاستدلال العلم بالله عز وجل.
والفرقة الخامسة منهم يزعمون أن المعارف ليس كلها اضطراراً والمعرفة بالله يجوز أن تكون كسباً ويجوز أن تكون اضطراراً وإن كانت كسباً أو كانت اضطراراً فليس يجوز الأمر بها على وجه من الوجوه، وهذا قول الحسن بن موسى.
والفرقة السادسة منهم يزعمون أن النظر والقياس يؤديان إلى العلم بالله وأن العقل حجة إذا جاءت الرسل فأما قبل مجيئهم فليست العقول دلالة ما لم يكن سنة بينة واعتلوا بقول الله عز وجل: " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً " .
مقالات الإسلاميين - (ج 1 / ص 15)
والفرقة السابعة منهم يقولون بتصحيح النظر والقياس وأنهما يؤديان إلى العلم وأن العقول حجة في التوحيد قبل مجيء الرسل وبعد مجيئهم.
والفرقة الثامنة منهم يزعمون أن العقول لا تدل على شيء قبل مجيء الرسل ولا بعد مجيئهم وأنه لا يعلم شيء من الدين ولا يلزم فرض إلا بقول الرسل والأيمة وأن الإمام هو الحجة بعد الرسول عليه السلام لا حجة على الخلق غيره.
وقالت الروافض بأجمعها بنفي اجتهاد الرأي في الأحكام وإنكاره.
واختلفت الروافض في الناسخ والمنسوخ هل يقع ذلك في الإخبار أم لا وهم فرقتان: فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن النسخ قد يجوز أن يقع في الإخبار فيخبر الله سبحانه أن شيئاً يكون ثم لا يكون، وهذا قول أكثر أوائلهم وأسلافهم.
والفرقة الثانية منهم يزعمون أنه لا يجوز وقوع النسخ في الإخبار وأن يخبر اتلله سبحانه أن شيئاً يكون ثم لا يكون لأن ذلك يوجب التكذيب في أحد الخبرين.
واختلفت الروافض في الإيمان ما هو وفي الأسماء وهم فرقتان: فالفرقة الأولى منهم وهم جمهور الرافضة يزعمون أن الإيمان هو الإقرار بالله وبرسوله وبالإمام وبجميع ما جاء من عندهم فأما المعرفة بذلك فضرورة عندهم فإذا أقر وعرف فهو مؤمن مسلم وإذا أقر ولم يعرف فهو مسلم وليس بمؤمن.
والفرقة الثانية منهم وهم قوم من متأخريهم من أهل زماننا هذا يزعمون أن الإيمان جميع الطاعات وأن الكفر جميع المعاصي ويثبتون الوعيد ويزعمون أن المتأولين الذين خالفوا الحق بتأويلهم كفار، وهذا قول ابن جبرويه.
والفرقة الثالثة منهم أصحاب علي بن ميثم يزعمون أن الإيمان اسم للمعرفة والإقرار ولسائر الطاعات فمن جاء بذلك كله كان مستكمل الإيمان ومن ترك شيئاً مما افترض الله عليه غير جاهد له فليس بمؤمن ولكن يسمى فاسقاً وهو من أهل الملة تحل مناكحته وموارثته ولا يكفرون المتأولين.
واختلفت الروافض في الوعيد وهم فرقتان: فالفرقة الأولى منهم يثبتون الوعيد على مخالفيهم ويقولون أنهم يعذبون ولا يقولون بإثبات الوعيد فيمن قال بقولهم، ويزعمون أن الله سبحانه يدخلهم الجنة وإن أخلهم النار أخرجهم منها ورووا في ذلك عن أيمتهم أن ما كان بين الله وبين الشيعة من المعاصي سألوا الله فيهم فصفح عنهم وما كان بين الشيعة وبين الأيمة تجاوزوا عنه وما كان بين الشيعة وبين الناس من المظالم شفعوا لهم إليهم حتى يصفحوا عنهم.
والفرقة الثانية منهم يذهبون إلى إثبات الوعيد وأن الله عز وجل يعذب كل مرتكب الكبائر من أهل مقالتهم كان أو من غير أهل مقالتهم ويخلدهم في النار.
واختلفت الروافض في خلق الشيء أهو الشيء أم غيره وهم فرقتان: فالفرقة الأولى منهم أصحاب هشام بن الحكم يزعمون أن خلق الشيء صفة للشيء لا هو الشيء ولا هو غيره لأنه صفة للشيء والصفة لا توصف، وكذلك زعموا أن البقاء صفة للباقي لا هي هو ولا غيره وكذلك الفناء صفة للفاني لا هي هو ولا هي غيره.
والفرقة الثانية منهم يزعمون أن الخلق هو المخلوق وأن الباقي يبقى لا ببقاء وأن الفاني يفنى لا بفناء.
واختلفت الروافض في عذاب الأطفال في الآخرة وهم فرقتان: فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن الأطفال جائز أن يعذبهم الله وجائز أن يعفو عنهم كل ذلك له أن يفعله.
والفريق الثاني وهم أصحاب هشام بن الحكم فيما حكى زرقان عنه - فإن لم يكن هشام بن الحكم قاله فممن يقوله اليوم كثير - يزعمون أنه لا يجوز أن يعذب الله سبحانه الأطفال بل هم في الجنة.
واختلفت الروافض في ألم الأطفال في الدنيا وهم ثلاث فرق: فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن الأطفال يألمون في الدنيا وأن إيلامهم فعل الله بإيجاب الخلقة لأن الله خلقهم خلقة يألمون إذا قطعوا أو ضربوا.
والفرقة الثانية منهم يزعمون أن الأطفال يألمون في الدنيا وأن الألم الذي يحل فيهم فعل الله لا بإيجاب الخلقة ولكن باختراع ذلك فيهم وكذلك قولهم في سائر المتولدات كالصوت الحادث عند الاصطكاك وذهاب الحجر الحادث عند دفعتنا للحجر وما أشبه ذلك.
والفرقة الثالثة منهم وهم القائلون بالإمامة والاعتزال يزعمون أن الآلام التي تحل في الأطفال منها ما هو فعل الله ومنها ما هو فعل لغيره وإن ما يفعله من الألم فإنما يفعله اختراعاً لا لسبب يوجبه.
مقالات الإسلاميين - (ج 1 / ص 16)
وأجمعت الروافض على تصويب علي رضوان الله عليه في حربه من حارب وتخطئة من حارب علياً.
واختلفت الروافض في محارب علي وهم فرقتان: فالفرقة الأولى منهم يقولون بإكفار من حارب علياً وتضليله ويشهدون بذلك على طلحة والزبير ومعاوية بن أبي سفيان وكذلك يقولون فيمن ترك الائتمام به بعد الرسول عليه السلام.
والفرقة الثانية منهم يزعمون أن من حارب علياً فاسق ليس بكافر إلا أن يكون حارب علياً عناداً للرسول صلى الله عليه وسلم ورداً عليه فهم كفار، وكذلك يقولون في ترك الائتمام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعلي بن أبي طالب بعده أنهم إن كانوا تركوا الائتمام به عناداً للرسول ورداً عليه فهم كفار وإن كانوا تركوا ذلك لا على طريق العناد والتكذيب للرسول صلى الله عليه وسلم والرد عليه فسقوا ولم يكفروا.
واختلفت الروافض في التحكيم وهم فرقتان: فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن علياً إنما حكم للتقية وأنه مصيب في تحكيمه للتقية وأن التقية تسعه إذا خاف على نفسه واعتلوا في ذلك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في تقية في أول الإسلام يكتم الدين.
والفرقة الثانية منهم يزعمون أن التحكيم صواب على أي وجه فعله على التقية أو على غير التقية.
وأجمعت الروافض على إبطال الخروج وإنكار السيف ولو قتلت حتى يظهر لها الإمام وحتى يأمرها بذلك واعتلت في ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يأمره الله عز وجل بالقتال كان محرماً على أصحابه أن يقاتلوا.
وأجمعوا على أنه لا يجوز الصلاة خلف الفاسقين وإنما يصلون خلف الفاسقين تقية ثم يعيدون صلاتهم.
واختلفت الروافض في سباء نساء مخالفيهم وأخذ أموالهم إذا أمكنهم ذلك وهم فرقتان: فالفرقة الأولى منهم يستحلون ذلك ويستحبونه ويستحلون سائر المحظورات ويتأولون قول الله عز وجل: " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات " وقوله: " قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة " .
والفرقة الثانية منهم يحرمون سباء نساء مخالفيهم وأخذ أموالهم بغير حق ولا يبيحون المحظورات ولا يستحلونها.
واختلفوا في الجزء الذي لا يتجزأ وهم فرقتان: فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن الجزء يتجزأ أبداً ولا جزء إلا وله جزء وليس لذلك آخر إلا من جهة المساحة وأن لمساحة الجسم آخراً وليس لأجزائه آخر من باب التجزؤ، والقائل بهذا القول هشام بن الحكم وغيره من الروافض.
والفرقة الثانية منهم يقولون أن لأجزاء الجسم غاية من باب التجزؤ وله أجزاء معدودة لها كل وجميع ولو رفع البارئ كل اجتماع في الجسم لبقيت أجزاؤه لا اجتماع فيها ولا يحتمل كل جزء منها التجزؤ.
واختلفت الروافض في الجسم ما هو وهم ثلاث فرق: والفرقة الأولى منهم يزعمون أن الجسم هو الطويل العريض العميق ولا يكون شيء موجود إلا ما كان جسماً طويلاً عريضاً عميقاً، وأنكروا الأعراض وزعموا أن معنى الجسم الطويل العريض العميق أنه شيء موجود وأن البارئ لما كان شيئاً موجوداً كان جسماً.
والفرقة الثانية منهم يزعمون أن حقيقة الجسم أنه مؤلف مركب مجتمع وأن البارئ عز وجل لما لم يكن مؤتلفاً مجتمعاً لم يكن جسماً.
والفرقة الثالثة منهم يزعمون أن حقيقة الجسم أنه يحتمل الأعراض وأن أقل قليل الأجسام جزء لا يتجزأ وأن البارئ لما لم يحتمل الأعراض لم يكن جسماً.
واختلفت الروافض في المداخلة وهم فرقتان: والفرقة الأولى منهم الهشامية وهم فيما حكى زرقان عن هشام يقولون بالمداخلة ويثبتون كون الجسمين اللطيفين في مكان واحد كالحرارة واللون ولست أحقق ما حكى زرقان من ذلك كما حكاه.
والفرقة الثانية منهم ينكرون المداخلة ويحيلون كون جسمين في مكان واحد ويزعمون أن الجسمين يتجاوران ويتماسان فإما أن يتداخلا حتى يكون حيزهما واحداً فذلك محال.
واختلفت الروافض في الإنسان ما هو وهم أربع فرق: فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن الإنسان اسم لمعنيين لبدن وروح فالبدن موات والروح هي الفاعلة الدراكة الحساسة وهي نور من الأنوار، هكذا حكى زرقان عن هشام بن الحكم.
والفرقة الثانية منهم يزعمون أن الإنسان جزء لا يتجزأ ويحيلون أن يكون الإنسان أكثر من جزء لأنه لو كان أكثر من جزء لجاز أن يحل في أحد الجزأين إيمان وفي الآخر كفر فيكون مؤمناً وكافراً في حال واحد وذلك محال.
وقد ذهب من أهل زماننا قوم من النظامية الذين يزعمون أن الإنسان هو الروح إلى قول الروافض، وذهب أيضاً قوم ممن يميل إلى قول أبي الهذيل إن الإنسان هو هذا الجسم المريء إلى القول بالإمامة والرفض.
واختلفت الروافض في الطفرة وهم فرقتان: فالفرقة الأولى منهم أصحاب هشام بن الحكم فيما حكاه زرقان يقولون أن الجسم يكون في مكان ثم يصير إلى المكان الثالث من غير أن يمر بالثاني، والفرقة الثانية منهم ينكرون ذلك ويحيلون أن يكون الجسم في مكان ثم يصير إلى مكان ثالث من غير أن يمر بالمكان الثاني.
وهذه حكاية مذاهب لهشام في أشياء من لطيف الكلام: كان هشام يقول أن الجن مأمورون ومنهيون لأنه قال: " يا معشر الجن والإنس إن استطعتم " وقال: " فبأي آلاء ربكما تكذبان " ، وكان يقول في وسواس الشيطان أن الله سبحانه يقول: " الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس " قال: فعلمنا أنه يوسوس وليس يدخل أبدان الناس ولكن قد يجوز أن يكون الله سبحانه قد جعل الجو أداة للشيطان يصل بها إلى القلب من غير أن يدخل فيه، قال: ويعلم ما يحدث في القلب وليس ذلك بغيب لأن الله سبحانه قد جعل عليه دليلاً، مثل ذلك أن يشير الرجل إلى الرجل أن أقبل أو أدبر فيعلم ما يريد فكذلك إذا فعل الإنسان فعلاً يريد شيئاً من البر عرف الشيطان ذلك بالدليل فينهى الإنسان عنه.
وقال هشام في الملائكة أنهم مأمورون منهيون لقول الله عز وجل: " ومن يقل منهم أني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم " وقال: " يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون " .
وكان هشام يقول في الزلازل أن الله سبحانه خلق الأرض من طبائع مختلفة يمسك بعضها بعضاً فإذا ضعفت طبيعة منها غلبت الأخرى فكانت الزلزلة وإن ضعفت أشد من ذلك كان الخسف.
وكان يقول في السحر أنه خديعة ومخاريق ولا يجوز أن يقلب الساحر إنساناً حماراً أو العصا حية، وحكى عنه زرقان أنه كان يجيز المشي على الماء لغير نبي ولا يجوز أن تظهر الأعلام على غير نبي، وكان يقول في المطر: جائز أن يكون ماءً يصعده الله ثم يمطره على الناس وجائز أن يكون الله يخترعه في الجو ثم يمطره، وكان يزعم أن الجو جسم رقيق.
ورجال الرافضة ومؤلفو كتبهم: هشام بن الحكم وهو قطعي وعلي بن منصور ويونس بن عبد الرحمن القمي والسكاك وأبو الأحوص داود بن راشد البصري ومن رواة الحديث: الفضل بن شاذان والحسين بن إشكيب والحسين بن سعيد وقد انتحلهم أبو عيسى الوراق وابن الراوندي وألفا لهم كتباً في الإمامة.
والتشيع غالب على أهل قم وبلاد إدريس بن إدريس وهي طنجة وما والاها والكوفة.
وحكى سليمن بن جرير الزيدي أن فرقة من الإمامية تزعم أن الأمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى علي بن أبي طالب يصنع بالإمامة ما أحب إن شاء جعلها لنفسه وإن ولاها غيره كان ذلك جايزاً إن كان ذلك عدلاً وله في ذلك النيابة إذا نفى والتسليم إن شاء ورضي، وأن فرقة أخرى قالت أن الدين كله في يدي علي بن أبي طالب وأنه يسند إليه وأوجبوا قطع الشهادة على سريرته وأن الإمامة بعده في جماعة أهل البيت غير أنهم خالفوا الفرقة الأولى في شيئين: أحدهما أنهم يزعمون أن علياً تولى أبا بكر وعمر على الصحة وسلم بيعتهما والآخر أنهم لا يثبتون العصمة لجماعة أهل البيت كما يثبت أولئك ولكنهم يرجون ذلك لهم وأن يصيروا جميعاً إلى ثواب الله ورحمته.
مقالات الإسلاميين - (ج 1 / ص 18)
o   الصنف الثالث من الأصناف الثلاثة التي ذكرناها أن الشيعة يجمعها ثلاثة أصناف وهم الزيدية وإنما سموا زيدية لتمسكهم بقول زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وكان زيد بن علي بويع له بالكوفة في أيام هشام بن عبد الملك وكان أمير الكوفة يوسف بن عمر الثقفي وكان زيد بن علي يفضل علي بن أبي طالب على سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتولى أبا بكر وعمر ويرى الخروج على أيمة الجور، فلما ظهر بالكوفة في أصحابه الذين بايعوه سمع من بعضهم الطعن على أبي بكر وعمر فأنكر ذلك على من سمعه منه فتفرق عنه الذين بايعوه فقال لهم: رفضتموني، وبقي في شرذمة فقاتل يوسف بن عمر فقتل ودفن ليلاً وكان معه نصر بن خزيمة العبسي ثم إنه ظهر على قبره فنبش وصلب عرياناً وله قصة يطول شرحها ولو ذكرناها لطال بذكرها الكتاب.
ثم خرج ابنه يحيى بن زيد بعده في أيام الوليد بن يزيد بن عبد الملك فوجه إليه نصر بن سيار صاحب خراسان بصاحب شرطته سلم بن أحوز المازني فقتله.
والزيدية ست فرق:
 فمنهم الفرقة الأولى: الجارودية أصحاب أبي الجارود وإنما سموا جارودية لأنهم قالوا بقول أبي الجارود يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على علي بن أبي طالب بالوصف لا بالتسمية فكان هو الإمام من بعده وأن الناس ضلوا وكفروا بتركهم الاقتداء به بعد الرسول صلى الله عليه وسلم ثم الحسن من بعد علي هو الإمام ثم الحسين هو الإمام من بعد الحسن.
وافترقت الجارودية فرقتين: فرقة زعمت أن علياً نص على إمامة الحسن وأن الحسن نص على إمامة الحسين ثم هي شورى في وبد الحسن وولد الحسين فمن خرج منهم يدعو إلى سبيل ربه وكان عالماً فاضلاً فهو الإمام، وفرقة زعمت أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على الحسن بعد علي وعلى الحسين بعد الحسن ليقوم واحد بعد واحد.
وافترقت الجارودية في نوع آخر ثلاث فرق: فزعمت فرقة أن محمد بن عبد الله بن الحسن لم يمت وأنه يخرج ويغلب، وفرقة أخرى زعمت أن محمد بن القاسم صاحب الطالقان حي لم يمت وأنه يخرج ويغلب، وفرقة قالت مثل ذلك في يحيى بن عمر صاحب الكوفة.
والفرقة الثانية من الزيدية السليمانية أصحاب سليمان بن جرير الزيدي يزعمون أن الإمامة شورى وأنها تصلح بعقد رجلين من خيار المسلمين وأنها قد تصلح في المفضول وإن كان الفاضل أفضل في كل حال ويثبتون إمامة الشيخين أبي بكر وعمر.
وحكى زرقان عن سليمان بن جرير أنه كان يزعم أن بيعة أبي بكر وعمر خطأ لا يستحقان عليها اسم الفسق من قبل التأويل وأن الأمة قد تركت الأصلح في بيعتهم إياهما، وكان سليمان بن جرير يقدم على عثمان ويكفره عند الأحداث التي نقمت عليه ويزعم أنه قد ثبت عنده أن علي بن أبي طالب لا يضل ولا تقوم عليه شهادة عادلة بضلالة ولا يوجب علم هذه النكتة على العامة إذ كان إنما تجب هذه النكتة من طريق الروايات الصحيحة عنده.
والفرقة الثالثة من الزيدية البترية أصحاب الحسن بن صالح بن حي وأصحاب كثير النواء وإنما سموا بترية لأن كثيراً كان يلقب بالأبتر، يزعمون أن علياً أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولاهم بالإمامة وأن بيعة أبي بكر وعمر ليست بخطأ لأن علياً ترك ذلك لهما ويقفون في عثمان وفي قتلته ولا يقدمون عليه بإكفار، وينكرون رجعة الأموات إلى الدنيا ولا يرون لعلي إمامة إلا حين بويع، وقد حكي أن الحسن بن صالح بن حي كان يتبرأ من عثمان رضوان الله عليه بعد الأحداث التي نقمت عليه.
والفرقة الرابعة من الزيدية النعيمية أصحاب نعيم بن اليمان يزعمون أن علياً كان مستحقاً للإمامة وأنه أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الأمة ليست بمخطئة خطأ إثم في أن ولت أبا بكر وعمر رضوان الله عليهما ولكنها مخطئة خطأً بيناً في ترك الأفضل وتبرءوا من عثمان ومن محارب علي وشهدوا عليه بالكفر.
والفرقة الخامسة من الزيدية يتبرءون من أبي بكر وعمر ولا ينكرون رجعة الأموات قبل يوم القيامة.
والفرقة السادسة من الزيدية يتولون أبا بكر وعمر ولا يتبرءون ممن برئ منهما وينكرون رجعة الأموات ويتبرءون ممن دان بها وهم اليعقوبية أصحاب رجل يدعى يعقوب.
واختلفت الزيدية في البارئ عز وجل أيقال أنه شيء أم لا وهم فرقتان: فالفرقة الأولى منهم وهم جمهور الزيدية يزعمون أن البارئ عز وجل شيء لا كالأشياء ولا تشبهه الأشياء، والفرقة الثانية منهم لا يقولون أن البارئ شيء فإن قيل لهم: أفتقولون أنه ليس بشيء قالوا: لا نقول أنه ليس بشيء.
واختلفت الزيدية في الأسماء والصفات وهم فرقتان: فالفرقة الأولى منهم أصحاب سليمان بن جرير الزيدي يزعمون أن البارئ عالم بعلم لا هو هو ولا غيره وأن علمه شيء، قادر بقدرة لا هي هو ولا غيره وأن قدرته شيء وكذلك قولهم في سائر صفات النفس كالحياة والسمع والبصر وسائر صفات الذات ولا يقولون أن الصفات أشياء، ويقولون وجه الله هو الله ويزعمون أن الله سبحانه لم يزل مريداً وأنه لم يزل كارهاً للمعاصي ولأن يعصى وأن الإرادة للشيء هي الكراهة لضده وكذلك لم يزل راضياً ولم يزل ساخطاً وسخطه على الكافرين هو رضاه بتعذيبهم ورضاه بتعذيبهم هو سخطه عليهم ورضى الله عن المؤمنين هو سخطه أن يعذبهم وسخطه أن يعذبهم هو رضاه أن يغفر لهم، وقالوا: ولا نقول سخطه على الكافرين هو رضاه عن المؤمنين.
والفرقة الثانية منهم يزعمون أن البارئ عز وجل عالم قادر سميع بصير بغير علم وحياة وقدرة وسمع وبصر وكذلك قولهم في سائر صفات الذات ويمنعون أن يقولوا: لم يزل البارئ مريداً ولم يزل كارهاً ولم يزل راضياً ولم يزل ساخطاً.
واختلفت الزيدية في البارئ عز وجل هل يوصف بالقدرة على أن يظلم ويكذب وهم فرقتان: فالفرقة الأولى منهم أصحاب سليمان بن جرير الزيدي يزعمون أن البارئ لا يوصف بالقدرة على أن يظلم ويجور ولا يقال لا يقدر لأنه يستحيل أن يظلم ويكذب وأحالوا قول القائل يقدر الله على أن يظلم ويكذب وأحالوا سؤاله، وكان سليمان بن جرير يجيب عن قول القائل يقدر الله على ما علم أنه لا يفعله؟ إن هذا الكلام له وجهان: إن كان السائل يعني ما علمه أنه لا يفعله مما جاء الخبر بأنه لا يفعله فلا يجوز القول يقدر عليه ولا لا يقدر عليه لأن القول بذلك محال وأما ما لم يأت به خبر فإن كان مما في العقول دفعه فإن الله عز وجل لا يوصف به وأن من وصفه به محيل فالجواب في ذلك مثل الجواب فيما جاء الخبر بأنه لا يكون، وأما ما لم يأت به خبر وليس في العقول ما يدفعه فإن القول أنه يقدر على ذلك جائز وإنما جاز القول في ذلك لجهلنا بالمغيب فيه ولأنه ليس في عقولنا ما يدفعه وأنا قد رأينا مثله مخلوقاً.
والفرقة الثانية منهم يزعمون أن البارئ عز وجل يوصف بالقدرة على أن يظلم ويكذب ولا يظلم ولا يكذب وأنه قادر على ما علم وأخبر أنه لا يفعله أن يفعله.
واختلفت الزيدية في خلق الأعمال وهم فرقتان: فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن أعمال العباد مخلوقة لله خلقها وأبدعها واخترعها بعد أن لم تكن فهي محدثة له مخترعة.
والفرقة الثانية منهم يزعمون أنها غير مخلوقة لله ولا محدثة له مخترعة وإنما هي كسب للعباد أحدثوها واخترعوها وأبدعوها وفعلوها.
واختلفت الزيدية في الاستطاعة وهم ثلاث فرق: والفرقة الأولى منهم يزعمون أن الاستطاعة مع الفعل والأمر قبل الفعل والشيء الذي يفعل به الإيمان هو الذي يفعل به الكفر، وهذا قول بعض الزيدية.
والفرقة الثانية منهم يزعمون أن الاستطاعة قبل الفعل وهي مع الفعل مشغولة بالفعل في حال الفعل وإنما يستطيع الفعل إذا فعله، هكذا حكى بعض المتكلمين عن سليمان بن جرير، وقرأت في كتاب لسليمان بن جرير أن الاستطاعة بعض المستطيع وأن الاستطاعة مجاورة له ممازجة كممازجة الدهنين.
والفرقة الثالثة منهم يزعمون أن الاستطاعة قبل الفعل وأن الأمر قبل الفعل وأنه لا يوصف الإنسان بأنه مستطيع للشيء قادر عليه في حال كونه.
واختلفت الزيدية في الإيمان والكفر وهم فرقتان: فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن الإيمان المعرفة والإقرار واجتناب ما جاء فيه الوعيد وجعلوا مواقعة ما فيه الوعيد كفراً ليس بشرك ولا جحود بل هو كفر نعمة، وكذلك قولهم في المتأولين إذا قالوا قولاً هو عصيان وفسق.
والفرقة الثانية منهم يزعمون أن الإيمان جميع الطاعات وليس ارتكاب كل ما جاء فيه الوعيد كفراً، وهذا قول قوم من متأخريهم فأما جمهورهم وأوائلهم فقولهم القول الأول.
وأجمعت الزيدية أن أصحاب الكبائر كلهم معذبون في النار خالدون فيها مخلدون أبداً لا يخرجون منها ولا يغيبون عنها، وأجمعوا جميعاً على تصويب علي بن أبي طالب في حربه وعلى تخطئة من خالفه.
واختلفت الزيدية في اجتهاد الرأي وهم فرقتان: فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن اجتهاد الرأي جائز في الأحكام.
والفرقة الثانية منهم ينكرون ذلك وينكرون الاجتهاد في الأحكام.
وأجمعت الزيدية أن علياً كان مصيباً في تحكيمه الحكمين وأنه إنما حكم لما خاف على عسكره الفساد وكان الأمر عنده بيناً واضحاً فنظر للمسلمين ليتألفهم وإنما أمرهما أن يحكما بكتاب الله عز وجل فخالفا فهما اللذان أخطئا وأصاب هو، والزيدية بأجمعها ترى السيف والعرض على أيمة الجور وإزالة الظلم وإقامة الحق وهي بأجمعها لا ترى الصلاة خلف الفاجر ولا تراها إلا خلف من ليس بفاسق.



وأجمعت الروافض والزيدية على تفضيل علي على سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أنه ليس بعد النبي صلى الله عليه وسلم أفضل منه.
هذا ذكر من خرج من آل النبي صلى الله عليه وسلم خرج الحسين بن أبي طالب رضي الله عنه منكراً على يزيد بن معاوية ما أظهر من ظلمه فقتل بكربلاء رضوان الله عليه وحديثه مشهور وقتله عمر بن سعد وكان الذي أنفذ لمحاربته عبيد الله بن زياد وحمل رأس الحسين إلى يزيد بن معاوية فلما وضع بين يديه نكت ثناياه التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبلها بقضيبه وحمل إليه بنو الحسين وبناته وسائر نسائه على الأقتاب فهم بقتل الذكور فكشف عن عاناتهم ينظر إليهم هل أنبتوا أم لا ثم من عليهم، وقتل مع الحسين من آل النبي صلى الله عليه وسلم ابنه على الأكبر ومن ولد أخيه الحسن عبد الله بن الحسن والقاسم بن الحسن وأبو بكر بن الحسن ومن إخوته العباس بن علي وعبد الله بن علي وجعفر بن علي وعثمان بن علي وأبو بكر بن علي ومحمد بن علي وهو محمد الأصغر ومن ولد جعفر بن أبي طالب محمد بن عبد الله بن جعفر وعون بن عبد الله ومن ولد عقيل عبد الله بن عقيل وقتل مسلم بن عقيل بالكوفة وعبد الرحمن بن عقيل وجعفر بن عقيل وعبد الله بن مسلم بن عقيل.
ثم خرج زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، رضوان الله عليهم بالكوفة على هشام بن عبد الملك ووالي العراق يومئذ يوسف بن عمر الثقفي فقتل في المعركة ودفن فعلم به يوسف بن عمر فنبشه وصلبه ثم كتب هشام يأمر بأن يحرق فأحرق ونسف رماده في الفرات وقال في ذلك يحيى بن زيد:
لكل قتيل معشر يطلبونه ... وليس لزيد بالعراقين طالب
ثم خرج يحيى بن يزيد بأرض الجوزجان على الوليد بن يزيد بن عبد الملك فوجه نصر بن سيار الليثي صاحب خراسان إلى يحيى بن زيد سلم بن أحوز المازني فحارب يحيى بن زيد فقتل في المعركة ودفن في بعض الجبانات.
ثم خرج محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب بالمدينة وبويع له في الآفاق فبعث إليه أبو جعفر المنصور بعيسى بن موسى وحميد بن قحطبة فحارب محمد حتى قتل، ومات تحت الهدم أبوه عبد الله بن الحسن بن الحسن وعلي بن الحسن بن الحسن، وقتل بسببه رجال من أهل بيته ووجه محمد بن عبد الله أخاه إدريس بن عبد الله إلى المغرب ولولده هناك مملكة.
ثم خرج بعد محمد بن عبد الله أخوه إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب بالبصرة فغلب عليها وعلى الأهواز وعلى فارس وأكثر السواد وشخص عن البصرة في المعتزلة وغيرهم من الزيدية يريد محاربة المنصور ومعه عيسى بن زيد بن علي فبعث إليه أبو جعفر بعيسى بن موسى وسعيد بن سلم فحاربهما إبراهيم حتى قتل وقتلت المعتزلة بين يديه.
ثم خرج الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب والتقوا بفخ وبايعه الناس وعسكر بفخ على ستة أميال من مكة فخرج إليه عيسى بن موسى في أربعة آلاف فقتل الحسين وأكثر من معه ولا يجسر أحد أن يدفنهم حتى أكلت السباع بعضهم وقتل مع الحسين صاحب فخ وبسببه رجال من أهل بيته، وفي قتيل فخ يقول صاحب البصرة:
ثم خرج يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي على أبي جعفر وصار إلى الديلم ثم قتل.
ثم خرج بتاهرت السفلى محمد بن جعفر بن يحيى بن عبد الله بن الحسن فغلب عليها وصارت في أيديهم.
ثم خرج بالكوفة في أيام المأمون محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي ودعا إليه أبو السرايا والمأمون بخراسان وأنفذ زيد بن موسى بن جعفر بن محمد داعية له إلى البصرة ثم مات بعد أربعة أشهر من خروجه ودفن بالكوفة.
فخرج بعده مع أبي السرايا محمد بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فهزم زهير بن المسيب وهزم عبدوس بن محمد بن أبي خالد وقتله ثم توجه إليه هرثمة بن أعين فهزمه وهرب مع أبي السرايا فأخذا في طريق خراسان فوجه بهما إلى الحسن بن سهل فقتل أبا السرايا وأظهر بعد ذلك موت محمد ويقال أنه حمل إلى المأمون وهم بمرو فمات هناك.
وخرج باليمن والمأمون بخراسان إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب داعية لمحمد بن إبراهيم بن إسماعيل صاحب أبي السرايا فوجه إليه المأمون جيشاً فهزمه وصار إلى العراق فأمنه المأمون.
وخرج بعد دخول المأمون بغداد أبو جعفر إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد فوجه إليه المأمون دينار بن عبد الله فصار إلى دينار في الأمان وقدم به على المأمون فمات.
وخرج محمد بن القاسم من ولد الحسين بن علي بخراسان ببلدة يقال لها طالقان في خلافة المعتصم فوجه إليه عبد الله بن طاهر وهو على خراسان جيشاً فانهزم محمد ثم قدر عليه عبد الله بن طاهر فحمله إلى المعتصم فحبسه معه في قصره فاختلف الناس في أمره فمن قائل يقول هرب ومن قائل يقول مات ومن الزيدية من يزعم أنه حي وأنه سيخرج.
مقالات الإسلاميين - (ج 1 / ص 22)
وخرج محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بمكة وكان يلقب بديباجة لحسن وجهه داعية لمحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم فلما مات محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم دعا لنفسه فوجه إليه المأمون عيسى الجلودي فظفر به فحمله إلى المأمون ببغداد ثم أخرجه معه فمات بجرجان.
وخرج الأفطس بالمدينة داعية لمحمد بن إبراهيم بن إسماعيل فلما مات محمد بن إبرايهم دعا إلى نفسه.
وخرج علي بن محمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بعده في خلافة المعتصم فقتله بنو مرة بن عامر.
ثم خرج الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب بطبرستان في سنة خمسين ومائتين والعامل بها سليمان بن عبد الله بنطاهر فغلب عليها وعلى جرجان بعد حروب كثيرة، ثم خلف من بعده محمد بن زيد أخوه ثم قتل محمد بن زيد بعد محاربة كانت بينه وبين محمد بن هارون.
وخرج بقزوين الكوكبي وهو من ولد الأرقط واسمه الحسن بن أحمد بن إسماعيل من ولد الحسين بن علي بن أبي طالب فغلب عليها ثم هزمه بعض الأتراك.
وخرج بالكوفة أيام المستعين أبو الحسين يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فوجه إليه الحسين بن إسماعيل بأمر محمد بن عبد الله بن طاهر فقتل أبا الحسين.
وخرج أيام المستعين أيضاً الحمزي الحسين بن محمد بن حمزة بن عبد الله من ولد الحسين بن علي فظفر به وأخذ وحبس إلى أن أطلقه المعتمد.
وخرج بسواد الكوفة أيام فتنة المستعين ابن الأفطس.
وخرج بسواد المدينة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة خمسين ومائتين إسماعيل بن يوسف بن إبراهيم من ولد الحسن بن علي فغلب عليها وتوفي لليلتين خلتا من ربيع الأول سنة اثنتين وخمسين ومائتين وخلف أخوه بعده محمد بن يوسف فقطع الميرة على أهل المدينة وما زال على أمره إلى أن خرج أبو الساج إلى مكة والمدينة فقتل خلقاً كثيراً من أصحابه وهرب محمد فمات في هربه.
وخرج بالكوفة في آخر أيام بني أمية عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فحاربه عبد الله بن عملا فهزمه ومضى عبد الله بن معاوية إلى فارس فغلب عليها وعلى أصبهان ثم مات بفارس.
وخرج صاحب البصرة وكان يدعي أنه علي بن محمد بن علي بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وسمعت من يذكر أنه كان يدعي أنه علي بن محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وأنصاره الزنج وغلب على البصرة سنة سبع وخمسين وقتل سنة سبعين ومائتين قتله أبو أحمد الموفق بالله بن المتوكل على الله.
وخرج بأرض الشام المقتول على الدكة فظفر به المكتفي بالله بعد حروب ووقائع كانت.
تم كلام الرافضة والله ولي التوفيق يتلوه كلام الخوارج وبالله نستعين.

الشيعة
الملل والنحل - (ج 1 / ص 39)
ويخالفهم بعض الزيدية في ذلك. ولهم في تعدية الإمامة: كلام، وخلاف كثير؛ وعند كل تعدية، وتوقف: مقالة، ومذهب، وخبط.
وهم خمس فرق: كيسانية، وزيدية، وأمامية، وغلاة وإسماعيلية.
وبعضهم يميل في الأصول إلى الاعتزال، وبعضهم إلى السنة، وبعضهم إلى التشبيه.
الكيسانية أصحاب: كيسان، مولى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وقيل: تلمذ للسيد: محمد بن الحنيفة رضي الله عنه. يعتقدون فيه اعتقاداً فوق حده ودرجته؛ من إحاطته بالعلوم كلها، واقتباسه من السيدين الأسرار بجملتها من علم التأويل والباطن؛ وعلم الآفاق والأنفس.
ويجمعهم القول بأن الدين طاعة رجل؛ حتى حملهم ذلك على تأويل الأركان الشرعية؛ من الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج...و غير ذلك... على رجال؛ فحملهم بعضهم على ترك القضايا الشرعية بعد الوصول إلى طاعة الرجل، وحمل بعضهم على ضعف الاعتقاد بالقيامة، وحمل بعضهم على القول بالتناسخ؛ والحلول؛ والرجعة بعد الموت. فمن مقتصر على واحد؛ معتقد أنه: لا يموت، ولا يجوز أن يموت؛ حتى يرجع، ومن معد حقيقة الإمامة على غيره؛ ثم: متحسر عليه؛ متحير فيه، ومن مدع حكم الإمامة؛ وليس هنا الشجرة.
الملل والنحل - (ج 1 / ص 40)
وكلهم حيارى متقطعون. ومن اعتقد أن الدين طاعة رجل ولا رجل له؛ فلا دين له. نعوذ بالله من الحيرة والحور بعد الكور. رب! أهدنا السبيل.
المختارية: أصحاب: المختار بن عبيد الثقفي، كان خارجياً، ثم صار زبيرياً، ثم صار شيعياً وكيسانياً. قال بإمامة محمد بن الحنيفة بعد أمير المؤمنين علي رضي الله عنهما؛ وقيل لا؛ بل بعد الحسن والحسين رضي الله عنهما، وكان يدعو الناس إليه، وكان يظهر انه من رجاله ودعاته، ويذكر علوماً مزخرفة بترهاته ينوطها به. وكان يظهر أنه من رجاله ودعاته، ويذكر علوما مزخرفة بترهات ينوطها به. ولما وقف محمد بن الحنفية على ذلك: تبرأ منه، وأظهر لأصحابه أنه غنما لمس على الخلق ذلك، ليتمشى أمره، ويجتمع الناس عليه. وإنما انتظم له ما انتظم بأمرين: أحدهما انتسابه إلى محمد بن الحنفية: علماً، ودعوة، والثاني قيامه بثأر الحسين بن علي رضي الله عنهما، واشتغاله ليلاً ونهاراً بقتال الظلمة الذين اجتمعوا على قتل الحسين. فمن مذهب المختار: أنه يجوز البداء على الله تعالى، والبداء له معان: البداء في العلم، وهو أن يظهر له خلاف ما علم، ولا أظن عاقلاً يعتقد هذا الاعتقاد، والبداء في الأمر، وهو أن يأمر بشيء ثم يأمر بشيء آخر بعده بخلاف ذلك. ومن لم يجوز النسخ ظن أن الأوامر المختلفة في الأوقات المختلفة متناسخة. وإنما صار المختار إلى اختيار القول بالبداء، بأنه كان يدعى علم ما يحدث من الأحوال: إما بوحي يوحى إليه، وإما برسالة من قبل الإمام، فكان إذا وعد أصحابه بكون شيء وحدوث حادثة، فإن وافق كونه قوله: جعله دليلاً على صدق دعواه، وإن لم يوافق قال: قد بدى لربكم. وكان لا يفرق بين النسخ، والبداء، قال: إذا جاز النسخ في الأحكام: جاز البداء في الأخبار. وقد قيل: إن السيد محمد بن الحنفية تبرأ من المختار حين وصل إليه أنه قد لبس على الناس: أنه من دعاته، ورجاله، وتبرأ من الضلالات التي ابتدعها المختار؛ من: التأويلات الفاسدة، والمخاريق المموهة. فمن مخاريقه: أنه كان عنده كرسي قديم قد غشاه بالديباج وزينه بأنواع الزينة؛ وقال: هذا من ذخائر أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه، وهو عندنا بمنزلة التابوت لبني إسرائيل؛ وكان إذا حارب خصومه يضعه في براح الصف ويقول: قاتلوا ولكم الظفر والنصرة، وهذا الكرسي محله فيكم محل التابوت في بني إسرائيل، وفيه السكينة، والبقية؛ والملائكة من فوقكم ينزلون مدداً لكم. وحديث الحمامات البيض: معروف. والأسجاع التي ألفها أبرد تأليف: مشهورة وإنما حمله على الانتساب إلى محمد بن الحنيفة كان: كثير العلم، غزير المعرفة، وقاد الفكر، مصيب الخاطر في العواقب؛ قد أخبره أمير المؤمنين علي رضي الله عنه عن أحوال الملاحم، وأطلعه على مدارج المعالم؛ وقد اختار العزلة: فآثر الخمول على الشهرة. وقد قيل: إنه كان مستودعا علم الإمامة حتى سلم الأمانة إلى أهلها، وما فارق الدنيا إلا وقد أقرها في مستقرها.
وكان السيد الحميري، وكثير عزة الشاعر: من شيعته؛ قال كثير فيه:
ألا أن الأئمة من قريش ... ولاة الحق: أربعة سواء:
علي، والثلاثة من بينه ... هم الأسباط، ليس بهم خفاء
سبط: سبط الإيمان وبر ... وسبط: غيبته كربلاء
ز سبط: لا يذوق الموت حتى ... يقود الخيل يقدمه اللواء
تغيب لا يرى فيهم زماناً ... برضوى، عنده عسل وماء
وكان السيد الحميري أيضاً يعتقد فيه: أنه لم يمت، وأنه في جبل: رضوى؛ بين أسد ونمر يحفظانه، وعنده عينان نضاختان؛ تجريان بماء وعسل، وأنه يعود بعد الغيبة؛ فيملأ الأرض عدلاً؛ كما ملئت جوراً. وهذا هو أول حكم بالغيبة والعودة بعد الغيبة حكم به الشيعة. وجرى ذلك في بعض الجماعة؛ حتى اعتقدوه: ديناً، وركناً من أركان التشيع.
ثم اختلف الكيسانية بعد انتقال محمد بن الحنفيةفي سوق الإمامة؛ وصار كل اختلاف مذهباً: الهاشمية:
الملل والنحل - (ج 1 / ص 41)
أتباع: أبي هاشم بن محمد بن الحنفية. قالوا: بانتقال محمد ابن الحنفية إلى رحمة الله ورضوانه؛ وانتقال الإمامة منه إلى ابنه أبي هاشم. قالوا: فإنه أفضى إليه أسرار العلوم؛ وأطلعه على: مناهج على الباطن. قالوا: إن لكل ظاهر باطناً، ولكل شخص روحاً، ولكل تنزيل تأويلاًن ولكل مثال في هذا العالم حقيقة في ذلك العالم. والمنتشر في الآفاق من الحكم والأسرار مجتمع في الشخص الإنساني؛ وهو: العلم الذي استأثر علي رضي الله عنه به ابنه: محمد بن الحنفية؛ وهو أفضى ذلك السر إلى ابنه أبي هاشم. وكل من اجتمع فيه هذا العلم؛ فهو الإمام حقاً.
واختلفت بعد أبي هاشم شيعته: خمس فرق: فرقة قالت: أم أبا هاشم مات - منصرفاً من الشام بأرض الشراة، وأوصى إلى محمد بن علي بن عبد الله لن عباس، وأجرت في أولاده الوصية، حتى صارت الخلافة إلى بني العباس. قالوا: ولهم في الخلافة حق؛ لاتصال النسب، وقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وعمه العباس أولى بالوراثة.
وفرقة قالت: إن الإمامة بعد موت أبي هاشم لابن أخيه: الحسن بن علي ابن محمد بن الحنفية.
وفرقة قالت: لا؛ بل إن أبا هاشم أوصى إلى أخيه: علي بن محمد، وعلي أوصى إلى أبنه: الحسن؛ فالإمامة عندهم في بني الحنفية: لا تخرج إلى غيرهم.
وفرقة قالت: إن أبا هاشم أوصى إلى عبد الله بن عمرو بن حرب الكندي؛ وإن الإمامة خرجت من أبي هاشم إلى عبد الله؛ وتحولت روح أبي هاشم إليه. والرجل ما كان يرجع إلى علم وديانة؛ فاطلع بعض القوم إلى خيانته، وكذبه؛ فأعرضوا عنه؛ وقالوا بإمامة عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. وكان من مذهب عبد الله: أن الأرواح تتناسخ من شخص إلى شخص، وإن الثواب والعقاب: في هذه الأشخاص؛ إما أشخاص بني آدم، وإما أشخاص الحيوانات. قال: وروح الله تناسخت حتى وصلت إليه، وحلت فيه. وادعى الإلهية، والنبوة معاً؛ وأنه يعلم الغيب. فعبده شيعته الحمقى، وكفروا بالقيامة؛ لاعتقادهم: أن التناسخ يكون في الدنيا، والثواب والعقاب في هذه الأشخاص، وتأول قول الله تعالى: " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا... الآية " على أن من وصل إلى الإمام، وعرفه: ارتفع عنه الحرج في جميع ما يطعمن ووصل إلى الكمال والبلاغ.
وعنه نشأتك الحزمية، والمزدكية بالعراق. وهلك عبد الله بخرسان، وافترقت أصحابه؛ فمنهم من قال: إنه بعد حي، لم يمت؛ ويرجع.
ومنهم من قال بل مات وتحولت روحه إلى إسحاق بن زيد بن الحارث الأنصاري؛ وهم الحارثية: الذين يبيحون المحرمات، ويعيشون عيش من لا تكليف عليه.
وبين أصحاب عبد الله بن معاوية، وبين أصحاب محمد بن علي: خلاف شديد في الإمامة؛ فإن كل واحد منهما يدعي الوصية من أبي هاشم إليه؛ ولم يثبت الوصية على قاعدة تعتمد.
الملل والنحل - (ج 1 / ص 42)
البيانية: أتباع: بيان بن سمعان التميمي. قالوا بانتقال الإمامة من أبي هاشم إليه. وهو: من الغلاة القائلين بإلهية أمير المؤمنين علي رضي الله عنه؛ قال: حل في علي جزء إلهي، واتحد بجسده: فنه كان يعلم الغيب؛ إذ أخبر عن آلماكم وصح الخبر، وب كان يحارب الكفار؛ وله النصرة والظفر، وبه قلع باب خيبر؛ وعن هذا قال: والله ما قلعت باب خيبر بقوة جسدانية، ولا بحركة غذائية؛ ولكن قلعته بحركة رحمانية ملكوتية، بنور ربها مضيئة. فالقوة الملكوتي في نفسه كالمصباح من المشكاة، والنور الإلهي كالنور من المصباح. قال: وربما يظهر علي في بعض الأزمان؛ وقال في تفسير قوله تعالى: " هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام " : أراد به علياً؛ فهو الذي يأتي في الظل، والرعد صوته، والبرق تبسمه. ثم ادعى بيان: أنه قد انتقل إليه الجزء الإلهي، بنوع من التناسخ؛ ولذلك استحق أن يكون إماماً:، وخليفة؛ وذلك الجزء هو الذي استحق به آدم عليه السلام سجود الملائكة. وزعم: أن معبوده على صورة إنسان: عضواً فعضواً، وجزءاً فجزءاً. وقال: يهلك كله إلا وجهه؛ لقوله تعالى: " كل شيء هالك إلا وجهه " . ومع هذا الخزي الفاحش كتب إلى محمد بن علي بن الحسين الباقر رضي الله عنهم، ودعاه إلى نفسه؛ وفي كتابه: أسلم تسلم، ويرتقي من سلم؛ فإنك لا تدري حيث يجعل الله النبوة. فأمر الباقر: أن يأكل الرسول قرطاسه الذي جاء به، فأكلهن فمات في الحال. وكان اسم ذلك الرسول: عمر بن أبي عفيف. وقد اجتمعت طائفة على بيان بن سمعان؛ ودانوا به وبمذهبه؛ فقتله خالد ابن عبد الله القسري على ذلك؛ وقيل: أحرقه والكوفي المعروف بالمعروف ابن سعيد بالنار معاً.
الرزامية: أتباع: رزام بن رزم. ساقوا الإمامة: من علي، إلى ابنه محمد، ثم إلى ابنه هاشم، ثم إلى علي بن عبد الله ابن عباس بالوصية، ثم ساقوها إلى محمد بن علي، وأوصى محمد إلى ابنه: إبراهيم الإمام، وهو صاحب: أبي مسلم؛ الذي دعا إليه، وقال إمامته. وهؤلاء ظهروا بخرا سان في أيام أبي مسلم؛ حتى قيل: إن أبا مسلم كان على هذا المذهب؛ لأنهم ساقوا الإمامة إلى أبي مسلم: فقالوا: له حظ الإمامة، وادعوا: حلول روح الإله فيه؛ ولهذا: أيده على بني أمية؛ حتى قتلهم عن بكرة أبيهم، وأصلهم. وقالوا بتناسخ الأرواح.
والمقنع الذي ادعى الإلهية لنفسه على مخاريق أخرجها كان في الأول على هذا المذهب، وتابعه مبيضه ما وراء النهر؛ وهؤلاء: صنف من الخرمية؛ دانوا بترك الفرائض، وقالوا: الدين: معرفة الإمام فقط. ومنهم من قال: الدين أمران: معرفة الإمام، وأداء الأمانة ؛ ومن حصل له الأمران، فقد وصل إلى الكمال، وارتفع عنه التكليف. ومن هؤلاء: من ساق الغمامة إلى محمد بن علي بن عبد الله ابن عباس من أبي هاشم بن محمد بن الحنفية: وصية غليه، لا من طريق آخر.
وكان أبة مسلم صاحب الدولة على مذهب الكيسانية في الأول، واقتبس من دعاتهم العلوم التي اختصوا بها، وأحس منهم أن هذه العلوم مستودعة فيهم؛ فكان يطلب المستقر فيه؛ فبعث إلى الصادق: جعفر بن محمد رضي الله عنهما: أني قد أظهرت الكلمة، ودعوت الناس عن موالاة بني أمية إلى موالاة أهل البيت، فإن رغبت فيه، فلا مزيد عليك. فكتب إليه الصادق رضي الله عنه: ما أنت من رجالي، ولا الزمان زماني. فحاد أبو مسلم إلى أبي العباس عبد الله ابن محمد السفاح، وقلده أمر الخلافة.
الزيدية: أتباع: زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم. ساقوا الإمامة في أولاد فاطمة رضي الله عنها، ولم يجوزوا ثبوت الإمامة في غيرهم؛ إلا أنهم جوزوا أن يكون كل: فاطمي، عالم، زاهد، شجاع، سخي، خرج بالإمامة أن يكون غماماً واجب الطاعة؛ سواء كان من أولاد الحسن، أو من أولاد الحسين رضي الله عنهما. وعن هذا؛ جوز قوم منهم: إمامة محمد وإبراهيم الإمامين ابني عبد الله بن الحسن بن الحسن اللذين خرجا غي أيام المنصور وقتلا على ذلك؛ وجوزوا: خروج إمامين في قطرين يستجمعان هذه الخصال، ويكون كل واحد منهما واجب الطاعة.
الملل والنحل - (ج 1 / ص 43)
وزيد بن علي - لما كان مذهبه هذا المذهب أراد أن يحصل الأصول والفروع حتى يتحلى بالعلم؛ فتلمذ في الأصول لواصل بن عطاء الغزال الألثغ رأس المعتزلة ورئيسهم؛ مع اعتقاد واصل: أن جده علي بن أبي طالب رضي الله عنه في حروبه التي جرت بينه وبين أصحاب الجل وأهل الشام ما كان على يقين من الصواب؛ وأن أحد الفريقين كان على الخطأ لا بعينه. فاقتبس منه الاعتزال، وصارت أصحابه كلهم: معتزلة. وكان من مذهبه: جواز إمامة المفضول مع قيام الأفضل؛ فقال: كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه أفضل الصحابة، إلا أن الخلافة فوضت إلى أبي بكر لمصلحة رأوها، وقاعدة دينية راعوها: من تسكين نائرة الفتنة، وتطيب قلوب العامة؛ فإن عهد الحروب التي جرت في أيام النبوة: كان قريباً، وسيف أمير المؤمنين علىّ عن دماء المشركين من قريش وغيرهم لم يجف بعد، والضغائن في صدور القوم من طلب الثأر كما هي... فما كانت القلوب تميل إليه كل الميل ولا تنقاد له الرقاب كل الانقياد؛ فكانت المصلحة أن يكون القائم بهذا الشأن من عرفوه باللين ، والؤدة، والتقدم بالسن، والسبق في الإسلام، والقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم. ألا ترى انه لما أراد في مرضه الذي مات فيه تقليد الأمر عمر بن الخطاب؛ لشدته، وصلابته، وغلظه في الدين، وفظاظته على الأعداء... حتى سكنهم أبو بكر بقوله: " لو سألني ربي لقلت: وليت عليهم خيرهم: لهم " ... وكذلك يجوز أن يكون المفضول إماماً والأفضل قائم؛ فيرجع إايه في الأحكام، ويحكم بحكمه في القضايا.
ولما سمعت شيعة الكوفة هذه المقالة منه، وعرفوا أنه لا يتبرأ من الشيخين: رفضوه حتى أتى قدره عليه؛ فسميت رافضة.
وجرت بينه وبين أخيه الباقر: محمد بن علي مناظرات لا من هذا الوجه؛ بل: من حيث كان يتلمذ لواصل بن عطاء، ويقتبس العلم ممن يجوز الخطأ على جده في قتال الناكثين، والقاسطين، والمارقين؛ ومن حيث يتكلم في القدر على غير ما ذهب غليه أهل البيت؛ ومن حيث إنه كان يشترط الخروج شرطاً في كون الإمام إماماً؛ حتى قال له يوماً: على مقضى مذهبك: والدك ليس بإمام؛ فإنه لم يخرج قط، ولا تعرض للخروج.
ولما قتل زيد بن علي وصلب قام بالإمامة بعده يحيى بن زيد، ومضى إلى خراسان، واجتمعت عليه جماعة كثيرة. وقد وصل إليه الخبر من الصادق جعفر بن محمد بأنه يقتل كما قتل أبوه، ويصلب كما صلب أبوه؛ فجرى عليه الأمر كما أخبر. وقد فوض الأمر بعده إلى محمد وإبراهيم الإمامين، وخرجا بالمدينة، ومضى إبراهيم إلى البصرة، واجتمع الناس عليهما، وقتلا أيضاً. وأخبرهم الصادق بجميع ما تم عليهم، وعرفهم: أن آباءه رضي الله عنهم أخبروه بذلك كله؛ وأن بني أمية يتطاولن على الناس حتى لو طاولتهم الجبال لطالوا عليها، وهم يستشعرون بغض أهل البيت. ولا يجوز أن يخرج واحد من أهل البيت حتى يأذن الله تعالى بزوال ملكهم؛ وكان يشير إلى أبي العباس، وإلى أبى جعفر: ابني محمد بن علي ابن عبد الله بن العباس. وقال: إنا لا نخوض في الأمر حتى يتلاعب به هذا وأولاده، وأشار إلى المنصور. فزيد بن علي قتل بكناسة الكوفة؛ قتله هشام بن عبد الملك، ويحيى بن زيد قتل بجوزجان خراسان؛ قتله أميرها، ومحمد الإمام قتل بالمدينة؛ قتله عيسى بن هامان؛ وإبراهيم الإمام قتل بالبصرة... أمر بقتلهما المنصور. ولم ينتظم أمر الزيدية بعد ذلك حتى ظهر بخراسان صاحبهم: ناصر الأطروش، فطلب مكانه؛ ليقتل، فاختفى، واعتزل الأمر، وصار إلى بلاد اليلم والجبل ولم يتحلوا بدين الإسلام بعد؛ فدعا الناس دعوة إلى الإسلامعلى مذهب زيد بن عليح فدانوا بذلكن ونشئوا عليهن وبقيت الزيدية في تلك البلاد ظاهرين. وكان يخرج واحد بعد واحد من الأئمة ويلي أمرهم. وخالفوا بني أعمامهم من الموسوية في مسائل الأصول، ومالت أكثر الزيدية بعد ذلك عن القول بإمامة المفضول، وطعنت في الصحابة طعن الإمامية. وهم أصناف ثلاثة: جاروديةن وسليمانيةن وبترية. والصالحية منهم والترية: على مذهب واحد.
الجارودية: أصحاب: أبي الجارود: زياد بن أبي زيادز زعموا: أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على علي رضي الله عنه بالوصف دون التسمية؛ وهو الإمام بعده. والناس قصروا؛ حيث لم يتعرفوا بذلك. وقد خالف الجارود في هذه المقالة إمامة: زيد بن علي؛ فإنه لم يعتقد هذا الإعتقاد.
الملل والنحل - (ج 1 / ص 44)
واختلفت الجارودية في: التوقف، والسوق.
فساق بعضهم الإمامة من علي إلى الحسن، ثم إلى الحسين ثم إلى علي ابن الحسين: زين العابدين، ثم إلى ابنه: زيد بن علي؛ ثم منه إلى الإمام: محمد ابن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب،و قالوا بإمامته. وكان أبو حنيفة رحمه الله على بيعته، ومن جملة شيعتح حتى رفع الأمر إلى المنصور، فحبسه حبس الأبدن حتى مات في الحبس. وقيل إنه إنما بايع محمد ابن عبد الله الإمام في أيام المنصور، ولما قتل محمد بالمدينة... فتم عليه مأتم. والذين قالوا بإمامة محمد بن عبد الله الإمام: اختلفوا: فمنهم من قال: إنه لم يقتل وهو بعد حي؛ وسيخرج فيملأ الأرض عدلاً، ومنهم من أقر بموته؛ وساق الإمامة إلى محمد بن القاسم بن علي بن عمر بن علي ابن الحسين بن علي صاحب الطالقان، وقد أسر في أيام المعتصم وحمل إليهح فحبسه في داره حتى مات، ومنهم مكن قال بإمامة يحيى بن عمر صاحب الكوفة؛ فخرج ودعا الناس، واجتمع عليه خلق كثيرن وقتل في أيام المستعين، وحمل رأسه إلى محمد بن عبد الله بن طاهر. حتى قال فيه بعض العلوية:
قتلت أعز من ركب المطايا ... و جئتك أستلينك في الكلام
و عز علي أن ألقاك إلا ... و فيما بيننا حد الحسام
وهو: يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي.
وأما أبو الجارود فكان يسمى: سرحوب؛ سماه بذاك أبو جعفر محمد بن علي الباقر. وسرجوب: شيطان أعمى يسكن البحر؛ قاله الباقر: تفسيراً.
ومن أصحاب أبي الجارود: فضيل الرسان، وأبو خالد الواسطي. وهم مختلفون في الأحكام والسير؛ فبعضهم يزعم: أن علم ولد الحسن والحسين رضي الله عنهما كعلم النبي صلى الله عليه وسلم؛ فيحصل لهم العلم قبل التعلم: فطرة، وضرورة.و بعضهم يزعم: أن العلم مشترك فيهم وفي غيرهم؛ وجائز أن يؤخذ عنهم، وعن غيرهم من العامة.
السليمانية اصحاب: سليمان بن جرير، وكان يقول: إن الإمامة شورى فيما بين الخلقن ويصح أن تنعقد بعقد رجلين من خيار المسلمين، وإنها تصح في المفضول، مع وجود الأفضل.
وأثبت إمامة أبي بكر وعمر رضي الله عتهما حقاً باختيار الأمة حقاً اجتهادياً. وربما كان يقول: إن الأمة أخطأت في البيعت لهما مع وجود علي رضي الله عنه خطأ لا يبلغ درجة الفسق، وذلك الخطا: خطأ اجتهادي. غير أنه طعن في عثمان رضي الله عنهم بإقدامهم على قتال علي رضي الله عنه، ثم إنه طعن في الرافضة؛ فقال: إن إئمة الرافضة قد وضعوا مقالتين لشيعتهم؛ ثم لا يظهر أحد قط عليهم: إحداهما: القول بالبداء؛ فإذا أظهروا قولاً: أنه سيكون لهم قوة وشوكة وظهوراً.. ثم لا يكون الامر على ما أظهروه... قالوا: بدا الله تعالى في ذلك.
والثانية: التقية؛ فكل ما ارادوا تكلموا به؛ فإذا قيل لهم في ذلك: إنه ليس بحق؛ وظهر لهم البطلان قالوا: إنما قلناه: تقية، وفعلناه: تقية. وتابعه على القول بجواز إمامة المفضول، مع قيام الأفضل: قوم من المعتزلة؛ منهم: جعفر بن مبشر، وجعفر بن حرب، وكثير النوى؛ وهو من أصحاب الحديث... قالوا: الإمامة من مصالح الدين: ليس يحتاج إليها لمعرفة اللع تعالى وتوحيده؛ فإن ذلك حاصل بالعقل، لكنها يحتاج إليها: لإقامة الحدود، والقضاء بين المتحاكمين، وولاية اليتامى والأيامي، وحفظ البيضة، وإعلاء الكلمة، ونصب القتال مع أعداء الدين، وحتى يكون للمسلمين جماعة، ولا يكون الأمر فوضى بين العامة؛ فلا يشترط فيها أن يكون الإمام: أفضل الأمة علماً، وأقدمهم عهداً، وأسدهم رأياً وحكمة؛ إذا الحاجة تنسد بقيام المفضول، مع وجود الفاضل والأفضل. ومالت جماعة من أهل السنة إلى ذلك؛ حتى جوزوا: أن يكون الإمام غير مجتهدن ولا خبير بمواقع الإجتهاد؛ ولكن يجب أن يكون معه من يكون من أهل الإجتهاد: فيراجعه في الأحكام، ويستقي منه في الحلال والحرام؛ ويجب أن يكون في الجملة ذا راي متين، وبصر في الحوادث نافذ.
الصالحية والبترية: الصالحية:أصحاب الحسن بن صالح بن حي.
والبترية: أصحاب كثير النوى الأبتر.
الملل والنحل - (ج 1 / ص 45)
وهما متفقان في المذهب. وقولهم في الإمامة كقول السليمانية؛ إلا أنهم توقفوا في أمر عثمان: أهو مؤمن، أم كافر؟ قالوا: إذا سمعنا الأخبار الواردة في حقه، وكونه من العشرة المشرين في الجنة، وإذا رأينا الأحداث التي أحدثها: من استهتاره بتربية بني أمية وبني مروان، واستبداده بأمور لم توافق سيرة الصحابة... قلنا: يجب أن نحكم بكفره؛ فتحيرنا في أمره، وتوقفنا في حالهن ووكلناه إلى أحكم الحاكمين.
وأما علي؛ فهو أفضل الناس بعد رسول اللع صلى اللع عليه وسلم وأولاهم بالإمامة، لكنه سلم الأمر لهم راضياً، وفوض إليهم الأمر طائعاً وترك حقه راغباً. فنحن راضون بما رضى، وهم الذين جوزوا: إمامة المفضول، وتأخير الفضل والافضل؛ إذا كان الأفضل راضياً بذلك.
وقالوا: من شهر سيفه من أولاد الحسن والحسين رضي اللع عنهما وكان: عالماً، زاهداً، شجاعاً؛ فهو الإمام؛ وشرط بعضهم صباحة الوجه. ولهم خبط عظيم في إمامين وجدت فيهما هذه الشرائط، وشهرا سيفهما: ينظر إلى الأفضل والأزهد، وإن تساويا: ينظر إلى الأمتن رأياً، والأحزم أمراً، وإن تساويا تقابلا؛ فينقلب الأمر عليهم كلا، ويعود الطلب جذعاً، والإمام مأموماً، والأمير مأموراً. ولو كانا في قطرين: افرد كل واحد منهم بقطره؛ ويكون واجب الطاعة في قومه. ولو أفتى أحدهما بخلاف ما يفتي الآخر كان كل واحد منهما مصيباً؛ وإن أفتى باستحلال دم الغمام الآخر.
وأكثرهم في زماننا مقلدون؛ لا يرجعون إلى رأي أو اجتهاد: أما في الأصول؛ فيرون راي المعتزلة: حذو القذة بالقذة؛ ويعظمون أئمة الاعتزال أكثر من تعظيمهم أئمة أهل البيت. وأما في الفروع؛ فهم على مذهب أبي حنيفة، إلا في مسائل قليلة يوافقون فيها الشافعي رحمه الله والشيعة.
رجال الزيدية: أبو الجارود: زياد بن المنذر العبدي؛ لعنه جعفر ابن محمد الصادق رضي الله عنه، والحسن بن صالح بن حي، ومقاتل بن سليمانن والداعي ناصر الحق: الحسن بن علي بن الحسن بن زيد ابن عمر بن الحسين بن علي، والداعي الآخر صاحب طبرستان: الحسين بن زيد ابن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي، ومحمد بن نصر.
الإمامية هم القائلون بإمامة علي رضي الله عنه بعد النبي عليه السلام: نصاً ظاهراً، وتعييناً صادقاً، من غير تعريض بالوصف، بل إشارة إليه بالعين. قالوا: وما كان في الدين والإسلام أمر أهم من تعيين الإمام؛ حتى تكون مفارقته الدنيا على فراغ قلب من أمر الأمة؛ فإنه إنما بعث: لرفع الخلاف، وتقرير الوفاق؛ فلا يجوز أن يفارق الأمة ويتركهم هملاً: يرى كل واحد منهم رأياً، ويسلك كل منهم طريقاً، لا يوافقه في ذلك غيره؛ بل يجب أن يعين شخصاً هو المرجوع إليهن وينص على واحد هو الموثوق به والمعول عليه. وقد عين علياً رضي الله عنه؛ في مواضع: تعريضاً؛ وفي مواضع: تصريحاً.
أما تعريضاته؛ فمثل: أن بعث أبا بكر ليقرأ سورة براءة على الناس في المشهد، وبعث بعده علياً؛ ليكون هو القارىء عليهمن والمبلغ عنه إليهم؛ وقال: نزل على جبريل عليه السلام فقال: يبلغه رجل منك؛ أو قال: من قومك؛ وهو يدل على تقديمه علياً عليه. ومثل أن كان يؤمر على أبي بكر وعمر غيرهما مكن الصحابة في البوثح وقد أمر عليهما: عمرو بن العاص في بعث، وأسامة بن زيد في بعث؛ وما أمر على علي أحداً قط.
واما تصريحاته؛ فمثل ما جرى في نأنأة الإسلام؛ حين قال: من الذي يبايعني على ماله؟ فبايعته جماعة، ثم قال: من الذي يبايعني على روحه وهو وصي عنه يده غليه فبايعه على روحه ووفى بذلك؛ حتى كانت قريش تعير أبا طالب: أنه أمر عليك ابنك. ز مثل: ما جرى في كمال الغسلام، وانتظام الحال؛ فما بلغت رسالته، والله يعصمك من الناس: فلما وصل إلى غدير خم أمر بالدوحات فقممن ونادوا: الصلاة جامعة. ثم قال عليه السلام، وهو على الرحال: " من كنت مولاه فعلي مولاه؛ اللهم: وال من والاه وعاد من عاداه، واصر من نصرهن واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار. ألا هل بلغت: ثلاثاً " .
فا دعت الإمامية: أن هذا نص صريحز
الملل والنحل - (ج 1 / ص 46)
فإنا ننظر: من كان النبي صلى الله عليه وسلم مولى له؟ وبأي معنى؟ فنطرد ذلك في حق علي رضي الله عنه. وقد فهمت الصحابة من التولية ما فهمناه؛ حتى قال عمر حين استقبل علياً: طوبى لك يا علي! أصبحت مولى كل مؤمن ومؤمنة. قالوا:و قول النبي عليه السلام: " أقضاكم علي " نص في الإمامة؛ فإن الإمامة لا معنى لها إلا أن يكون: أقضى القضاة في كل حادثة، والحاكم على المتخاصمين في كل واقعة؛ وهو معنى قول الله سبحانه وتعالى: " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " ؛ قالوا فأولوا الأمر: من إليه القضاء والحكم. حتى وفي مسألة الخلافة لما تخاصمت المهاجرون والأنصار؛ كان القاضي في ذلك هو: أمير المؤمنين على دون غيره فإن النبي صلى الله عليه وسلم؛ كما حكم لكل واحد من الصحابة بأخص وصف له؛ فقال: أفرضكم زيد، وأقرؤكم له؛ وهو قوله: " أقضاكم على " والقضاء يستدعي كل علم، وما ليس كل علم يستدعي القضاء.
ثم إن الإمامية تخطت عن هذه الدرجة إلى الوقيعة في كبار الصحابة: طعناً، وتكفيراً؛ وأقله: ظلماً، وعدواناً. وقد شهدت نصوص القرلان على عدالتهمن والرضا عن جملتهم؛ قال الله تعالى: " لقد رضي اللع عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة... " وكانوا إذ ذاك ألفاً وأربعمائة، وقال الله تعالى على المهاجرين والأنصارن والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وقال: لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة وقال تعالى: " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض؛ كما استخلف الذين من قبلهم " ... وفي ذلك دليل على عظم قدرهم عند اللع تعالى، وكرامتهم ودرجتهم عند السول صلى الله عليه وسلم. فليت شعري! كيف يستجير ذو دين الطعن فيهم، ونسبة الكفر إليهم! وقد قال النبي عليه السلام: عشرة من أصحابي في الجنة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد بن ابي وقاص، وسعيد بن زيد، وعبد الرحمن ابن عوف، وأبو عبيدة بن الجراح؛ إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في حق كا واحد منهم على انفرادز وإن نقلت هنات من بعضهم، فليتدبر النقل؛ فإن أكاذيب الروافض كثيرة، وإحداث المحدثين كثيرة.
ثم إن الإمامية لم يثبتوا في تعيين الأئمة بعد: الحسن، والحسين، وعلي بن الحسين رضي الله عنهم على رأي واحد؛ بل اختلافاتهم أكثر من اختلافات الفرق كلها؛ حتى قال بعضهم: إن نيفاً وسبعين فرقة من الفرق المذكورة في الخبر هو في الشيعةخاصة؛ ومن عداهم فهم خارجون عن الأمة. وهم متفقون في الإمامة، وسوقها إلى جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه، ومختلفون في المنصوص عليه بعده من أولاده، وقيل: ستة: محمد، وغسحاق، وعبد الله، وموسى، وإسماعيل، وعلي. ومن ادعى منهم النص والتعيين: محمد، وبد الله، وموسى، وإسماعيل. ثم: منهم من مات؛ ولم يعقب، ومنهم من مات؛ وأعقب. ومنهم من قال بالتوقف، والإنتظار، والرجعة. ومنهم من قال بالسوق والتعدية؛ كما سيأتي ذكر اختلافاتهم، عند ذكر طائفة طائفةز وكانوا في الأول على مذهب أئمتهم في الأصولن ثم لما اختلفت الروايات عن أئمتهم، وتمتدى الزمان: اختارت كل فرقة منهم طريقة؛ فصارت الإمامية بعضها: إمكا وعيدية؛ وإما تفضيلية، وبعضها إخبارية: أما مشبهةح وغما سلفية. ومن ضل الطريق، وتاه؛ لم يبال الله به؛ في أي واد هلك.
الباقرية والجعفرية الواقفة
الملل والنحل - (ج 1 / ص 47)
أتباع: محمد الباقر بن علي زين العابدين وابنه جعفر الصادق. قالوا بإمامتهما، وإمامة والدهما: زين العابدين. إلا أن منهم من توقف على واحد منهما وما ساق الإمامة إلى أولادهما؛ ومنهم من ساق. وإنما ميزنا هذه: فرقة، دون الأصناف المتشيعة التي نذكرها؛ لأن من الشيعة من توقف على الباقر، وقال برجعته، كما توقف القئلون بإمامة أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق؛ وهو ذو علم غزير في الدينن وأدب كامل في الحكمة، وزهد بالغ في الدنيا، وورع تام عن الشهوات؛ وقد أقام بالمدينة مدة: يفيد الشيعة المنتمين إليه، ويفيض علىالموالين له أسرار العلوم، ثم دخل العراق وأقام بها مدة: ما تعرض للإمامة قط، ولا نازع أحداً في الخلافة قط. ومن غرق في بحر المعرفة لم يطمع في شط، ومن تعلى إلى ذروة الحقيقة لم يخف من حط... وقيل: من أنس بالله توحش عن الناس، ومن استأنس بغير الله نهبه الوسواس. وهو من جانب الأب: ينتسب إلى شجرة النبوة، ومن جانب الأم: ينتسب إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه. وقد تبرأ عما كان ينسب إليه بعض الرافضة، وحماقاتهم؛ من القول بالغيبة، والرجعة، والبداء، والتناسخ، والحلول، والتشبيه. لكن الشيعة بعده افترقوا؛ وانتحل كل واحد منهم مذهباً، وأراد أن يروجه على أصحابه؛ فنسبه إليه وربطه به. والسيد برىء من ذلكن ومن الاعتزالن والقدر أيضاً.
هذا قوله في الإرادة: " إن الله تعالى أراد بنا شيئاً، وأراد منا شيئاً؛ فما أراده بناك طواه عنا، وما أراده منا: أظهره لنا؛ فما بالنا نشتغل بما أراده بنا، عما أراده منا؟!. وهذا قوله في القدر: هو أمر بين أمرين: لا جبرن ولا تفويض. وكان يقول في الدعاء: اللهم لك الحمد إن أطعتك، ولك الحجة إن عصيتك؛ لا صنع لين ولا لغيري في إحسان؛ ولا حجة لي، ولا لغيري في إساءة.
فنذكر الأصناف الذين اختلفوا فيه، ونعدهم؛ لا على أنهم من تفاصيل أشياعه: بل: على أنهم منتسبون إلى أصل شجرتهن وفروع أولاده؛ ليعلم ذلك.
الناووسية اتباع رجل يقال له: ناووس؛ وقيل: نسبوا إلى قرية: ناوسا. قالت: إن الصادق حي بعد، ولن يموت حتى يظهر؛ فيظهر أمره، وهو القائم المهدين ورووا عنه أنه قال: لو رأيتم رأسي يدهده عليكم من الجبل فلا تصدقوا؛ فإني: صاحبكمن صاحب السيف.
وحكى أبو حامد الزوزني: أن النووسية زعمت أن علياً باق، وستنشق الأرض عنه قبل يوم القيامة؛ فيملأ الأرض عدلاً.
الأفطحية قالوا بانتقال الإمامة من الصادق إلى ابنه: عبد الله الأفطح، وهو أخوه إسماعيل من أبيه وأمه، وأمهما: فاطمة بنت الحسين ابن الحسن بن علي، وكان أسن أولاد الصادق.
زعموا أنه قال: الإمامة في أكبر أولاد الإمام. وقال: الإمام من يجلس مجلسي؛ وهو الذي جلس مجلسه، والإمام: لا يغسله ولا يصلى عليه ولا يأخذ خاتمه ولا يواريه إلا الإمام؛ وهو الذي تولى ذلك كله. ودفع الصادق وديعة إلى بعض أصحابه، وأمره أن يدفعها إلى من يطلبها منه وان يتخذه إماماً، وماتن ولم يعقب ولداً ذكراً.
الشميطية اتباع: يحيى بن أبي شميط. قالوا: إن جعفراً قال: إن صاحبكم اسمه اسم نبيكم. وقد قال له والداه رضوان الله عليهما: إن ولد لك ولد، فسميته باسمي؛ فهو الإمام؛ فالإمام بعده:ابنه محمد.
الإسماعيلية الواقفة قالوا: إن الإمام بعد جعفر: إسماعيل؛ نصاً عليه باتفاق من أولاده؛ إلا أنهم اختلفوا في موته في حال أبيه: فمنهم من قال: لم يمت؛ إلا أنه أظهر موته تقية من خلفاء بني العباس؛ وأنه عقد محضراً وأشهد عليه عامل المنصور بالمديوة. ومنهم من قال: موته صحيح، والنص لا يرجع قهقري؛ والفائدة في النص بقاء الإمامة في أولاد المنصوص عليه؛ دون غيرهم. فالإمام بعد إسماعيل: محمد ابن إسماعيل. وهؤلاء يقال لهم: المباركية. ثم منهم من وقف على محمد ابن إسماعيل؛ وقال برجعته بعد غيبته.
ومنهم من ساق الإمامة في المستورين منهم، ثم في الظاهرين القائمين من بعدهم، وهم الباطنية؛ وسنذكر مذاهبهم على الإنفراد.و إنما مذهب هذه الفرقة: الوقف على إسماعيل بن جعفر، أو محمد بن إسماعيل. والأسماعيلية المشهورة في الفرق منهم؛ هم: الباطنية التعليمية اللذين لهم مقالة مفردة الموسوية والمفضلية
الملل والنحل - (ج 1 / ص 48)
فرقةواحدة قالت بإمامة موسى بن جعفر، نصاً عليه بالإسم؛ حيث قال الصادق رضي اللع عنه: سابعكم قائمكم، وقيل: أن أولاد الصادق على تفرق: فمن ميت في حال حياة أبيه؛ ولم يعقب، ومن مختلف في موته، ومن قائم بعد موته مدة يسيرة، ومن ميت غير معقب... وكان موسى هو الذي تولى الأمر، وقام بعد موت أبيه: رجعوا إليه، واجتمعوا عليه؛ مثل: المفضل بن عمر، وزرارة بن أعين، وعمار الساباطي.
وروت الموسوية عن الصادق رضي الله عنه أنه قال لبعض أصحابه: عد الأيام فعدها من الأحد... حتى بلغ السبت؛ فقال له كم عددت؟ فقال: سبعة: سبت السبوت، وشمس الدهور، ونور الشهور: من لا يلهو ولا يلعب؛ وهو سابعكم قائمكم هذا، وأشار إلى ولده: موسى الكاظم. وقال فيه أيضاً: إنه شبيه بعيسى عليه السلام. ثم إن موسى لما خرج وأظهر الإمامة: حمله هارون الرشيد من المدينة؛ فحبسه عند عيسى بن جعفر، ثم أشخصه إلى بغداد؛ فحبسه عند السندي بن شاهك. وقيل: إن يحيى بن خالد بن برمك سمه في رطب؛ فقتله وهو في الحبس. ثم أخرج ودفن في مقابر قريش ببغداد. واختلفت الشيعة بعده: فمنهم من توقف في موته وقال: لا ندري أمات أم لم يمت! ويقال لهم المطمورة سماهم بذلك علي بن إسماعيل؛ فقال: ما أنتم إلا كلاب مطمورة. ومنهم من قطع بموته؛ ويقال لهم القطيعة. ومنهم من توقف عليه، وقال: إنه لم يمت، وسيخرج بعد الغيبة، ويقال لهم الواقفة.
الإثنا عشرية إن الذين قطعوا بموت موسى الكاظم بن جعفر الصادق وسموا: قطعية، ساقوا الإمامة بعده في أولاده؛ فقالوا: الإمام بعد موسى الكاظم ولده: علي الرضي؛ ومشهده بطوس. ثم بعده: محمد النقي الجواد أيضاً؛ وهو في مقابر قريش ببغداد ثم بعده: علي بن محمد النقي؛ ومشهده بقم. وبعده: الحسن العسكري الزكي. وبعده ابنه: محمد القائم المنتظر؛ الذي هو بسر من رأى؛ وهو الثاني عشر. هذا هو طريق الإثني عشرية في زماننا.
إلا أن الاختلافات التي وقعت في حال كل واحد من هؤلاء الإثني عشرية،و المنازعات التي جرت بينهم وبين إخوتهم وبني أعمامهم... وجب ذكرها؛ لئلا يشذ عنا مذهب لم نذكره،و مقاغلة لم نوردها. فاعلم أن الشيعة من قال بإمامة: أحمد بن موسى بن جعفر دون أخيه: علي الرضي. ومن قال بعلي: شك أولاً في محمد بن علي؛ إذ مات أبوه وهو صغير غير مستحق للإمامة، ولا علم عنده بمناهجها. وثبت قوم على إمامته. واختلفوا بعد موته أيضاً: فقال قوم بإمامة موسى بن محمد. وقال قوم آخرونبإمامة: علي بن محمد؛ ويقولون: هو العسكري. واختلفوا بعد موته أيضاً: فقال قوم بإمامة جعفر بن علي، وقال قوم بإمامة محمد بن علي، وقال قوم بإمامة الحسن بن علي. وكان لهم رئيس يقال له: علي بن فلان الطاحن، وكان من أهل الكلام: قوى أسباب جعفر ابن علي، وأمال الناس إليه، وأعانه فارس بن حاتم بن ماهويه؛ وذلك أن علياً قد مات، وخلف الحسن العسكري. قالوا: امتحنا الحسن، فلم نجد عنده علماً؛ ولقبوا من قال بإمامة الحسن: الحمارية؛ وقوموا أمر جعفر بعد موت الحسن؛ واحتجوا بأن الحسن مات بلا خلف؛ فبطلت إمامته ولأنه لم يعقب والإمام لا يموت إلا ويكون له خلف وعقب. وحاز جعفر ميراث الحسن، بعد دعاوى ادعاها عليه: أنه فعل ذلك من حبل في جوار أبيه، وغيرهم. وانكشف أمره عند السلطان، والرعية، وخواص الناس، وعوامهم. وتشتت كلمة من قال بإمامة الحسن، وتفرقوا أصنافاً كثيرة؛ منهم: الحسن بن علي بن فضال، وهو من أجل أصحابهم وفقهائهم؛ كثير الفقه والحديث. ثم قالوا بإمامة جعفر: بعلي بن جعفر وفاطمة بنت علي: أخت جعفر. وقال قوم بإمامة علي بن جعفر، دون فاطمة السيدة. ثم اختلفوا بعد موت علي وفاطمة اختلافاً كثيراً. وغلا بعضهم في الإمامة غلواً كأبي الخطاب الأسدي.
وأما الذين قالوا بإمامة الحسن؛ فافترقوا بعد موته إحدى عشرة فرقة، وليست لهم ألقاب مشهورة، ولكنا نذكر أقاويلهم: الفرقة الأولى: قالت: إن الحسن لم يمت، وهو: القائم، ولا يجوز أن يموت ولا ولد له ظاهراً؛ لأن الأرض لا تخلو من إمام، وقد ثبت عندنا: أن القائم له غيبتان؛ وهذه إحدى الغيبتين، وسيظهر، ويعرف، ثم يغيب غيبة أخرى.
الثانية: قالت: إن الحسن مات، ولكنه يحيا، وهو القئم؛ لأنا رأينا أن معنى القائم: هو القيام بعد الموت، فنقطع بموت الحسن ولا نشك فيه، ولا ولد له؛فيجب أن يحيا بعد المرت.
الملل والنحل - (ج 1 / ص 49)
الثالثة: قالت: إن الحسن قد مات، وأوصى إلى جعفر أخيه، ورجعت الإمامة إلى جعفر.
الرابعة: قالت: إن الحسن قد مات، والإمام جعفر؛ وإنا كنا مخطئين في الائتمام به؛ إذ لم يكن إماماً،فلما مات ولا عقب له تبينا: أن جعفر كان محقاً في دعواه، والحسن مبطلاً.
الخامسة: قالت: إن الحسن قد مات: وكنا مخطئين في القول به، وإن الإمام كان محمد بن علي أخا الحسن وجعفر، ولما ظهر لنا فسق جعفر وإعلانه به؛ وعلمنا أن الجحسن كان على مثل حاله إلا أنه كان يتستر: عرفنا أنهما لم يكونا إمامين، فرجعنا إلى محمد، ووجدنا له عقباً؛ وعرفنا أنه كان هو الإمام دون أخويه.
السادسة: قالت: إن الحسن كان له ابن، وليس الأمر على ما ذكروا: أنه مات ولم يعقب؛ بل ولد له ولد قبل وفاة أبيه بسنتين فاستتر خوفاً من جعفر وغيره من الأعداء؛ واسمه محمد؛ وهو: الإمام، القائم، الحجة، المنتظر.
السابعة: قالت: إن له إبناً؛ ولكنه ولد بعد موته بثمانية أشهر، وقول من ادعى أنه مات وله ابن باطل؛ لا، ذلك لو كان لم يخف، ولا يجوز مكابرة العيان.
الثامنة: قالت: صحت وفاة الحسن، وصح أن لا ولد له، وبطل ما ادعى: من الحبل في سرية له؛ فثبت أن الإمام بعد الحسن غير موجود؛ وهو جائز في المقولات: أن يرفع الله الحجة عن أهل الأرض؛ لمعاصيهم، وهي: فترة، وزمان لا إمام فيه، والأرض اليوم بلا حجة؛ كما كانت الفترة قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم.
التاسعة: قالت: إن الحسن قد مات، وصح موته، وقد اختلف الناس هذه الاختلافات، ولا ندري كيف هو؟ ولا نشك أنه قد ولد له ابن، ولا ندري: قبل موته؟ أو بعد موته؟ ؛ إلا أنا نعلم يقيناً: أن الأرض لا تخلو من حجة، وهو: الخلف الغائب؛ فنحن نتولاه، ونتمسك به باسمه؛ حتى يظهر بصورته.
العاشرة: قالت: نعلم أن الحسن قد مات، ولا بد للناس من إمام؛ فلا تخلو الأرض من حجةن ولا ندري: من ولده؟ أم من ولد غيره؟ الحادية عشرة: فرقة: توقفت في هذا التخابط، وقالت: لا ندري على القطع حقيقة الحال، لكنا نقطع في الرضي ونقول بإمامته. وفي كل موضع اختلفت الشيعة فيه: فنحن من الواقفة في ذلك، إلى أن يظهر الله الحجة، ويظهر بصورته؛ فلا يشك في إمامته من أبصره، ولا يحتاج إلى معجزة وكرامة وبينة؛ بل معجزته: اتباع الناس بأسرهم إياه، من غير منازعة، ولا مدافعة.
فهذه جملة الفرق الإحدى عشرة قطعوا على كل واحد واحد: ثم قطعوا على الكل بأسرهم.
ومن العجب! أنهم قالوا: الغيبة قد امتدت مائتين ونيفاً وخمسين سنة؛ وصاحبنا قال: إن خرج القائم وقد طعن في الأربعين فليس بصاحبكم، ولسنا ندري كيف تنقضي مائتان ونيف وخمسون سنة في أربعين سنة؟!. وإذا سئل القوم عن مدة الغيبة: كيف تتصور؟ قالوا: أليس الخضر وإلياس عليهما السلام يعيشان في الدنيا من آلا السنين؛ لا يحتاجان إلى طعام وشراب؟ فلم لا يجوز ذلك في واحد من إهل البيت؟. قيل لهم: ومع اختلافكم هذا؛ كيف يصح لكم دعوى الغيبة؟. ثم الخضر عليه السلام ليس مكلفاً بضمان جماعة، والإمام عندكم: ضامن، مكلفبالهداية والعدل؛ والجماعة مكلفون بالإقتداء به والإستنان بسنته، ومن لا يرى كيف يقتدى به؟.
فلهذا؛ صارت الإمامية متمسكين بالعدلية في الأصول؛ وبالمشبهة في الصفات؛ متحيرين تائهين.
وبين الإخباريو منهم والكلامية: سيف وتكفير. وكذلك بين التضيلية والوعيدية: قتال، وتضليل. أعاذنا الله من الحيرة!.
ومن العجب! أن القائلين بإمامة النتظر مع هذا الإختلاف العظيم الذي بينت: لا يسحيون؛ فيدعون فيه أحكام الإلوهية، ويتأولون قوله تعالى: عليه: " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون، وستردون إلى عالم الغيب والشهادة " . قالوا: هو الإمام المنظر الذي يرد إليه علم الساعة؛ ويدعون فيه أنه لا يغيب عنا، وسيخبرنا بأحوالنا، حين يحاسب الخلق. إلى تحكمات باردة، وكلمات عن العقول شاردة.
لقد طفت في تلك المعاهد كلها ... وسيرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر: إلا واضعاً كف حائر ... على ذقن، أوقاعاً سن نادم
أسامي الأئمةالإثني عشرية عند الإمامية: المرتضى، والمجتبى، والشهيد، والسجاد، والباقر، والصادق، والكاظم، والرضي، والتقي، والنقي، والزكي، والحجة القائم المنتظر.
الغالية
الملل والنحل - (ج 1 / ص 50)
هؤلاء هم الذين غالوا في حق أئمتهم حتى أخرجوهم من حدود الخليقية، وحكموا فيهم بأحكام الإلهية؛ فربما شبهوا واحداً من الأئمة بالإله،و ربما شبهوا الإله بالخلق. وهم على طرفي الغلو والتقصير. وإنما نشأت شبهاتهم من مذاهب الحلولية، ومذاهب التناسخية، ومذاهب اليهود والنصارى؛ إذ اليهود شبهت الخالق بالخلق، والنصارى شبهت الخلق بالخالق. فسرت هذه الشبهات في أذهان الشيعة الغلاة؛ حتى حكمت بأحكام الإلهية في حق بعض الأئمة. وكان التشبيه بالأصل والوضع في الشيعةن وإنما عادت إلى بعض أهل الشنة بعد ذلك، وتمكن الإعتزال فيهم؛ لما رأوا أن ذلك أقرب إلى المعقول، وأبعد من التشبيه والحلول.
وبدع الغلاة محصورة في أربع: التشبيه، والبداء، والرجعة، والتناسخ. ولهم ألقاب؛ وبكل بلد لقب: فيقال لهم بأصبهان: الخرمية والكوذية، وبالري: المزدكية والسنباذية، وبأذربيجان: الدقولية؛ وبموضع: المحمرة وبما وراء النهر: المبيضة.
وهم أحد عشر صنفاً: السبائية أصحاب عبد الله بن سبأ؛ الذي قال لعلي كرم الله وجهه: أنت أنت يعني: أنت الإله؛ فنفاه إلى المدائن. زعموا: أنه كان يهودياً فأسلم؛ وكان في اليهودية يقول في يوشع بن نون وصي موسى عليهما السلام مثل ما قال في علي رضي الله عنه. وهو أول من أظهر القول بالنص بإمامة علي رضي الله عنه. ومنه انشعبت أصناف الغلاة.
زعم ان علياً حي لم يمت؛ ففيه الجزء الإلهي؛ ولا يجوز أن يستولي عليه، وهو الذي يجيء في السحاب، والرعد صوته، والبرق تبسمه: وأنه سينزل إلى الأرض بعد ذلك؛ فيملأ الرض عدلاً كما ملئت جوراً. وإنما أظهر ابن سبا هذه المقالة بعد انتقال علي رضي الله عنه، واجتمعت عليع جماعة، وهو أول فرقة قالت بالتوقف، والغيبة، والرجعة؛ وقالت بتناسخ الجزء الإلهي في الأئمة بعد علي رضي الله عنه. قال: وهذا المعنى مما كان يعرفه فيه حين فقأ عين واحد بالحد في الحرم ورفعت القصة إليه: ماذا أقول في يد الله فقأت عينا في حرم الله؟ فأطلق عمر اسم الإلهية عليه؛ لما عرف منه ذلك.
الكاملية أصحاب أبي كاملز أكفر جميع الصحابة بتركها بيعة علي رضي الله عنه. وطعن في علي أيضاً بتركه طلب حقه، ولم يعذره في القعود؛ قال: وكان عليه أن يخرج ويظهر الحق، على أنه غلا في حقه. وكان يقول: الإمامة نور يتناسخ من شخص لى شخص، وذلك النور: في شخص يكون نبوة، وفي شخص يكون إمامة؛ وربما تتناسخ الإمامة فتصير نبوةز وقال بتناسخ الأرواح وقت الموت.
والغلاة على أصنافها كلهم متفقون على: التناسخن والحلول. ولقد كان التناسخ مقالة لفرقة في كل ملة تلقوها من: المجوس المزدكية، والهند البرهمية، ومن الفلاسفة، والصائبة. ومذهبهم: أن الله تعالى قائم بكل زمان، ناطق بكل لسان، ظاهر في كل شخص من أشخاص البشر؛ وذلك بمعنى الحلول. وقد يكون الحلول بجزء، وقد يكون بكل: أما الحلول بجزء؛ فهو كإشراق الشمس في كوة؛ أو كغشراقها على البللور، أما الحلول بكل؛ فهو كظهور ملك بشخص؛ أو شيطان بحيوان. ومراتب التناسخ أربع: النسخ، والمسخ، والفسخ، والرسخ. وسيأتي شرح ذلك عند ذكر فرقهم من المجوس على التفصيل. وأعلى المراتب: مرتبة الملكية أو النبوة، وأسفل الوراتب: الشيطانية أو الجنية. وهذا أبو كامل كان يقول بالتناسخ ظاهراً، من غير تفصيل مذهبهم.
العلبائية أصحاب: العلباء بن ذراع الدوسي؛ وقال قوم: هو الأسدي. وكان يفضل علياً على النبي صلى الله عليه وسلم، وزعم أنه الذي بعث محمداً؛ يعني علياً، وسماه إلهاً. وكان يقول بذم محمد صلى الله عليه وسلم، وزعم أنه بعث ليدعو إلى علي فدعا إلى نفسه. ويسمون هذه الفرقة: الذمية.
ومنهم من قال بإلهيتهما جميعاً ويقدمون علياً في أحكام إلهية، ويسمونهم: العينية.
ومنهم من قال: بإلهيتهما جميعاً، ويفضلون محمداً في الإلهية ويسمونهم: الميمية.
ومنههم من قال بالإلهية لجملة أشخاص أصحاب الكساء: محمد، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين. وقالوا خمستهم شيءواحد، والروح حالة فيهم بالسوية، لا فضل لواحد منهم على الآخر؛ وكرهوا أن يقولوا: فاطمة بالتأنيث؛ بل قالوا: فاطم؛ بلا هاء؛ وفي ذلك يقول بعض شعرائهم: توليت بعد الله في الدين خمسة: نبياً، وسبطية، وشيخلً، وفاطماً.
المغيرية
الملل والنحل - (ج 1 / ص 51)
أصحاب: المغيرة بن سعيد العجلي. ادعى أن الإمامة بعد محمد بن علي بن الحسين في: محمد النفس الزكية بن عبد الله ابن الحسن بن الحسن؛ الخارج بالمدينة، وزعم أنه حي لم يمت. وكان المغيرة مولى لخالد بن عبد الله القسري، وادعى الإمامة لنفسه بعد الإمام محمد، وبعد ذلك ادعى النبوة لنفسه، واستحل المحارم، وغلا في حق علي رضي الله عنه غلواً لا يعتقده عاقل. وزاد على ذلك قوله بالتشبيه؛ فقال: إن الله تعالى صورة وجسم ذو أعضاء على مثال حروف الهجاء؛ وصورته صورة رجل من نور، على رأسه تاج من نور، وله قلب تنبع منه الحكمة. وزعم أن الله تعالى لما أراد خلق العالم تكلم بالأسم الأعظم، فطار، فوقع على رأسه تاجاً؛ قال: وذلك قوله: سبح اسم ربك الأعلى، الذي خلق فسوى. ثم اطلع على أعمال العباد وقد كتبها على كفه؛ فغضب من المعاصي، فعرق، فاجتمع من عرقه بحران: أحدهما مالح، والآخر عذب؛ والمالح مظلم، والعذب نير. ثم اطلع في البحر النير، فأبصر ظله؛ فانتزع عين ظله؛ فخلق منها الشمس والقمر؛ كله من البحرين؛ فخلق المؤمنون من البحر النير، وخلقالكفار من البحر المظلم وخلق ظلال الناس أول ما خلق، وأول ما خلق هو ظل محمدج عليه السلام وظل علي؛ قبل خلق ظلال الكل. ثم عرض على السموات والأرض والجبال أن يحملن الأمانة؛ وهي أن يمنعن علي بن أبي طالب من الإمامةن فأبين ذلك، ثم عرض ذلك على الناس؛ فأمر عمر بن الخطاب أبا بكر أن يتحمل منعه من ذلك، وضمن له أن يعينه على الغدر به على شرط أن يجعل الخلافة له من بعده؛ فقبل منه، وأقدما على المنع متظاهرين؛ فذلك قوله تعالى: " وحملها الإنسان إنه طكان ظلوماً جهولاً:. وزعم أنه نزل في حق عمر قولع تعالى: " كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر؛ فلما كفر قال إني بريء منك " .
ولما أن قتل المغيرة اختلف أصحابه: فمنهم من قال بانتظاره ورجعته، ومنهم من قال بانتظار إمامة: محمد؛ كما كان يقول بانتظاره. وقد قال المغيرة بإمامة أي جعفر محمد بن علي رضي اللع عنهما؛ ثم غلا فيه وقال بإلهيته؛ فتبرأ منه الباقر ولعنه. وقد قال المغيرة لأصحابه : انتظروه؛ فإنه يرجع وجبريل وميكائيل يبايعانه بين الركن والمقام؛ وزعم: أنه يحيي الموتى.
المنصورية أصحاب: أبي منصور العجلي، وهو الذي عزا بنفسه إلى أبي جعفر محمد بن علي الباقر في الأول، فلما تبرأ منه الباقر وطرده زعم أنه هو الإمام؛ ودعا الناس إلى نفسه، ولما توفي الباقر قال:انتقلت الإمامة غلي وتظاهر بذلك. وخرجت جماعة منهم بالكوفة في بني كندة، حتى وقف يوسف بن عمر الثقفي والي العراق في أيام هشام بن عبد الملك علىقصته وخبث دعوته؛ فأخذه، وصلبه.
زعم أبو منصور العجلي: أن علياً رضي الله عنه هو الكسف الساقط من السماء، وربما قال: الكسف الساقط من السماء هو الله تعالى. وزعم حين ادعى الإمامة لنفسه أنه عرج به إلى السماء، ورأى معبوده، فمسح بيده راسه، وقال له: يا بني! أنزل فبلغ عني، ثم أهبطه إلى الأرض؛ فهو الكسف الساقط من السماء. وزعم أيضاً: أن الرسل لا تنقطع أبداً، والرسالة لا تنقطع. وزعم: أن الجنة رجل أمرنا بموالاته، وهو إمام الوقت؛ وأن النار رجل أمرنا بمعاداته وهو خصم الإمام. وتأول المحرمات كلها على أسماء رجال أمرنا الله تعالى بمعاداتهم. وتأول الفرائض على أسماء رجال أمرنا بموالاتهم. واستحل بأصحابه: قتل مخالفيهم، وأخذ أموالهم، واستحلال نسائهم. وهخم صنف من الخرمية. وإنما مقصودهم من حمل الفرائض والمحرمات على أسماء رجال: هو أن من ظفر بذلك الرجل وعرفه؛ فقد سقط عنه التكليف، وارتفع الخطاب؛ إذ قد وصل إلى الجنة، وبلغ الكمال. ومما أبدعه العجلي أنه قال: إن أول ما خلق الله تعالى هو عيسى ابن مريم عليه السلام، ثم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.
الخطابية
الملل والنحل - (ج 1 / ص 52)
اصحاب: ابي الخطاب محمد بن أبي زينب الأسدي الأجدع مولى بني أسد، وهو الذي عزا نفسه إلى أبي عبد الله جعفر ابم محمد الصادق رضي الله عنهن فلما وقف الصادق على غلوه الباطل في حقه: تبرأ منه ولعنه، وأمر أصحابه بالبراءة منه، وشدد القول في ذلكن وبالغ في التبري منهن واللعن إليه؛ فلما اعتزل عنه ادعى الإمامة لنفسه. زعم أبو الخطاب: أن الأئمة أنبياء ثم آلهةن وقال بإلهية جعفر بن محمد وإلهية ىبائه رضي اللع عنهم؛ وهم أبناء الله وأحباؤه. والإلهية نور في النبوة، والنبوة نور في الإمانة، ولا يخلو العالم من هذه الآثار والأنوارز وزعم أن جعفراً هو الإله في زمانه، وليس هو المحسوس الذي يرونه؛ ولكن لما نزل إلى هذا العالم: لبس تلك الصورة فرآه الناس فيها. ولما توقف عيسى بن موسى صاحب المنصور عى خبث دعوته: قتله بسبخة الكوفة.
وافترقت الخطابية بعدة فرقاً: فزعمت فرقة: أن الإمام بعد أبي الخطاب رجل يقال له: معمر، ودانوا به؛ كما دانوا بأبي الخطاب. وزعموا أن الدنيا لا تفنى، وأن الجنة هي التي تصيب الناس من خير ونعمة وعافية، وأن النار: هي التي تصيب الناس من شر ومشقة وبلية. واستحلوا: الخمر، والزنا، وسائر المحرمات. ودانوا بترك الصلاة والفرئض وتسمى هذه الفرقة المعمرية.
وزعمت طائفة: أن الإمام بعد أبي الخطاب: بزيغ. وكان يزعم: أن جعفراً هو الإله؛ أي ظهر الإله بصورته للخلق. وزعم: أن كل مؤمن يوحى إليه من الله،و تأول قول الله تعالى: " وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله " أي: بوحي إليه من الله؛ وكذلك قوله تعالى: " وأوحى ربك إلى النحل " . وزعم: أن من أصحابه من هو أقضل من جبريل وميكائيل.و زعم: أن الإنسان إذل بلغ الكمال لا يقال له: إنه قد مات: ولكن الواحد منهم إذا بلغ النهاية، قيل: رجع إلى الملكوت. وادعوا كلهم معاينة أمواتهم، وزعموا أنهم يرونهم: بكرة، ةوعشياً. وتسمى هذه الطائفة: البزيغية.
وزعمت طائفة: أن الإمام بعد أبي الخطاب: عمير بن بيان العجلي، وقالوا: كما قالت الطائفة الأولى؛ إلا أنهم اعترفوا بأنهم يموتون، وكانوا قد نصبوا خيمة بكناسة الكوفة يجتمعون فيها على عبادة الصادق رضي الله عنهح فرفع خبرهم إلى يزيد بن عمر بن هبيرة؛ فأخذ عميراً، فصلبه في كناسة الكوفة. وتسمى هذه الطائفة: العجليةن والعميرية أيضاً.
وزعمت طائفة: أن الإمام بعد أبي الخطاب مفضل الصيرفي. وكانوا يقولون بربوبية جعفر، دون نبوته، ورسالته. وتسمى هذه الفرقة المفضلية.
وتبرأ من هؤلاء لكهم جعفر بن محمد لصادق رضي الله عنه، وطردهم ولعنهم؛ فإن القوم كلهم: حيارى، ضالون، جاهلون بحال الأئمة تائهون.
الكيالية أتباع: أحمد بن الكيال، وكان من دعاة واحد من أهل البيت بعد جعفر بن محمد الصادق؛ وأظنه منالأئمة المستورين.
ولعله سمع كلمات علمية برأيه الفائل وفكره العاطلن وأبدع مقالة في كل باب علمي؛ على قاعدة غير مسموعة ولا معقولة، وربما عاند الحس في بعض المواضع. ولما وقفوا على بدعته: تبرءوا منه، ولعنوه وأمروا شيعتهم بمنابذته وترك مخالطته. ولما عرف الكيال ذلك منهم: صرف الدعوة إلى نفسه، وادعى الإمامة أولاً، ثم ادعى أنه القائم ثانياً.
وكان من مذهبه: أن كل من قدر الآفاق على الأنفس، وأمكنه أن يبين مناهج العالمين؛ أعني: عالم الآفاق؛ وهو العالم العلوين وعالم الأنفس؛ وهو العالم السفلي... كان هو: الإمام، وأن كل من قرر الكل في ذاته، وأمكنه أن يبين كل كلي في شخصه المعين الجزئي... كان هو: القائم. قال: ولم يوجد في زمن من الأزمان أحد يقرر هذا التقرير إلا: أحمد الكيال؛ فكان هو: القائم.
وإنما قتله من انتمى إليه أولاً؛ على بدعته ذلك: أنه هو الإمام، ثم القائم وبقيت من مقالته في العالم تصانيف عربية وأعجمية؛ كلها: مزخرفة، مردودة: شرعاً، وعقلاً.
قال الكيال: العوالم ثلاثة: العالم الأعلى، والعالم الأدنى، والعالم الإنساني. وأثبت في العالم الأعلى خمسة أماكن: الأول: مكان الأماكن، وهو مكان فارغ، لا يسكنه موجود، ولا يدبره روحاني؛ مكان النفس الأعلى، ودونه: مكان النفس الناطقة، ودونه: مكان النفس الحيوانية، ودونه: مكان النفس الإنسانية.
الملل والنحل - (ج 1 / ص 53)
قال: وأرادت النفس الإنسانية الصعود إلى عالم النفس الأعلى، فصعدتن وخرقت المكانين؛ اعني: الحيوانية، والناطقة؛ فلما قربت من الوصول إلى عالم النفس الأعلى: كلت، وانحسرت، وتحيرت، وتعفنتن واستحالت أجزاؤها... فأهبطت إلى العالم السفلي، ومضت عليها أكوار وأدوار؛و هي في تلك الحالة من العفونة والاستحالة، ثم ساحت عليها النفس الأعلى وأفاضت عليها من أنوارهاجزءاً؛ فحدثت التراكيب في هذا العالم، وحدثت: السماوات، والأرض، والمركبات: من المعادن، والنبات، والحيوان، والإنسان؛ ووقعت في بلايا هذا التركيب: تارة سروراً، وتارة غماً، وتارة فرحاً، وتارة ترحاً؛ وطوروا سلامة وعافية، وطوراً بلية ومحنة... حتى يظهر: القائم، ويردها إلى حال الكمال، وتنحل التراكيب، وتبطل المتضادات؛ ويظهر الروحاني على الجسماني؛ وما ذلك القائم إلا: أحمد الكيال.
ثم دل على تعيين ذاته بأضعف ما يتصور، وأوهى ما يقدر؛ وهو أن اسم أحمد مطابق للعوالم الأربعة: فالألف من اسمه في مقابلة النفس الأعلى، والحاء؛ في مقابلة النفس الناطقة، والميم؛ في مقابلة النفس الحيوانية، والدال؛ في مقابلة النفس الإنسانية. قال: والعوالم الأربعة هي المبادىء والسائط، وأما: مكان الأماكن؛ فلا وجود فيه البتة.
ثم أثبت في مقابلة العوالم العلوية: العالم السفلي الجسماني؛ قال: فالسماء خالية؛ في مقابلة مكان الأماكن، ودونها النار، ودونها الهواء، ودونه الأرض، ودونها الماء. وهذه الأربعة في مقابلة العوالم الأربعة.
ثم قال: الإنسان؛ في مقابلة النار، والطائر؛ في مقابلة الهواء، والحيوان؛ في مقابلة الأرض، والحوت؛ في مقابلة الماء؛ وكذلك ما في معناه. فجعل مركز الماء أسفل المراكز، والحوت أخس المركبات.
ثم قابل العالم الإنساني الذي هو أحد الثلاثة وهو عالم الأنفس مع آفاق العالمين الأولين: الروحاني، والجسماني؛ قال: الحواس المركبة فيه خمس: فالسمع: في مقابلة: مكان الأماكن: إذ هو فارغ، وفي مقابلة السماء.
والبصر: في مقابلة: النفس الأعلى من الروحاني، وفي مقابلة النار من الجسماني، وفيه إنسان العين؛ لأن الإنسان مختص بالنار.
والشم: في مقابلة: الناطق من الروحاني، والهواء من الجسماني؛ لأن الشم من الهواء: يتروح، ويتنشم.
والذوق: في مقابلة: الحيواني من الروحاني، والأرض من الجسمانين والحيوان مختص بالأرض؛ والطعم بالحيوان.
واللمس: في مقابلة: الإنساني من الروحاني، والماء من الجسماني؛ والحوت مختص بالماء، واللمس بالحوت. وربما عبر عن اللمس بالكتابة.
ثم قال: أحمد؛ هو: ألف، وحاء، وميم، ودال؛ وهو في مقابلة العالمين: أما في مقابلة العالم العلوي الروحاني؛ فقد ذكرناه.
وأما في مقابلة العالم السفلي الجسماني؛ فالألف تدل على الإنسان، والحاء تدل على الحيوان، والميم على الطائر، والدال على الحوت؛ فالألف من حيث استقامة القامة: كالإنسان، والحاء: كالحيوان؛ لأنه معوج منكوس؛ ولأن الحاء من إبتداء اسم الحيوان، والميم: تشبه رأس الطائر، والدال: تشبه ذنب الحوت.
ثم قال: إن الباري تعالى إنما خلق الإنسان على شكل اسم: أحمد: فالقامة: مثل الألف، واليدان: مثل الحاء، والبطن: مثل الميم، والرجلان: مثل الدال.
ثم من العجب أنه قال: إن الأنبياء هم قادة أهل التقليد، وأهل التقليد عميان. والقائم قائد أهل الصيرة، وأهل البصيرة أولوا الألباب؛ وإنما سحصلون البصائر بمقابلة؛ فكيف يرضى أن يعتقدها؟! وأعجب من هذا كله : تأويلاته الفاسدة، ومقابلاته بين الفرائض الشرعية والأحكام الدينية؛ وبين موجودات عالمي الآفاق والأنفس. واعاؤه أنه منفرد بها. وكيف يصح له ذلك؛ وقد سبقه كثير من أهل العلم بتقرير ذلك؛ لا على الوجه المزيف الذي قرره الكيال؛ وحمله الميزان على العالمين، والصراط على نفسه، والجنة على الوصول إلى علمع من البصائر، والنار على الوصول إلى ما يضاده؟! ولما كانت أصول علمه ماذكرناه: فانظر كيف يكون حال الفروع؟! الهشامية أصحاب: الهشامين: هشام بن الحكم؛ صاحب المقالة في التشبيه، وهشام بن سالم الجواليقي؛ الذي نسج على منواله في التشبيه.
وكان هشام بن الحكم من متكلمي الشيعة، وجرت بينه وبين أبي هذيل مناظرات في علم الكلام: منها في التشبيه، ومنها في تعلق علم الباري تعالى.
الملل والنحل - (ج 1 / ص 54)
حكى ابن الرواندي عن هشام أنه قال: إن بين معبوده وبين الأجسام تشابهاً ما، بوجه من الوجوه؛ ولولا ذلك لما دلت عليه.
وحكى الكعبي عنه أنه قال: هو جسم ذو أبعاض له قددر من الأقدار؛ ولكن لا يشبه شيئاً من المخلوقات، ولا يشبهه شيء.
ونقل عنه أنه قال: هو: سبعة أشبار بشبر نفسه، وأنه في مكان مخصوص، وجهة مخصوصة، وأنه يتحرك؛ وحركته فعله، وليست من مكان إلى مكان. وقال: هو متناه بالذات، غير متناه بالقدرة. وحكى عنه أبو عيسى الوراق أنه قال: إن الله تعالى مماس لعرشه؛ لا يفضل منه شيء عن العرش، ولا يفضل من العرش شيء عنه.
ومن مذهب هشام؛ انه قال: لم يزل الباري تعالى عالماً؛ بنفسه، ويعلم الأشياء بعد كونها؛ بعلم: لا يقال فيه: إنه محدث، أو قديم؛ لأنه صفة، والصفة لا توصف؛ ولا يقال فيه: هو هو، أو غيره، أو بعضه.
وليس قوله في القدرة والحياة كقوله في العلم؛ إلا أنه لا يقول بحدوثهما. قال: ويريد الأشياء، وإرادته حركة: ليست هي عين الله؛ ولا هي غيره. وقال في كلام الباري تعالى: إنه صفة الباري تعالى؛ ولا يجوز أن يقال: هو مخلوق، أو غير مخلوق.
وقال: الأعراض لا تصلح ان تكون دلالة على الله تعالى؛ لأن منها ما يثبت استدلالاً؛ وما يستدل على الباري تعالى يجب أن يكون ضروري الوجود؛ لا استدلالياً. وقال: الاستطاعة: كل ما لا يكون الفعل إلا به: كالآلات، والجوارح، والوقت والمكان.
وقال هشام بن سالم إنه تعالى على صورة إنسان: أعلاه مجوف، وأسفله مصمت، وهو نور ساطع يتلألأ؛ وله حواس خمس، ويد، ورجل، وأنف، وأدذن، وعين، وفم، وله وفرة سوداء: هي نور أسود؛ لكنه ليس بلحم ولا دم. وقال هشام بن سالم: الاستطاعة بعض المستطيع. وقد نقل عنه: أنه أجاز المعصية على الأنبياء؛ مع قوله بعصمة الأئمة. ويفرق بينهما بأن النبي يوحى إليه؛ فينبه على وجه الخطأ؛ فيتوب منه، والإمام لا يوحى إليه؛ فتجب عصمته.
وغلا هشام بن الحكم في حق علي رضي الله عنه حتى قال: إنه إله واجب الطاعة. وهذا هشام بن الحكم صاحب عور في الأصول؛ لا يجوز أن يغفل عن إلزاماته على المعتزلة؛ فإن الرجل وراء ما يلزم به على الخصم، ودون ما يظهره من التشبيه... وذلك انه ألزم الغلاف فقال: إنك تقول: الباري تعالى عالم بعلم، وعلمه ذاته؛ فيشارك المحدثات في أنه عالم بعلم، ويباينها في أن علمه ذاته؛ فيكون عالماً لا كالعالمين، فلم لا تقول: إنه جسم لا كالأجسام، وصورة لا كالصور، وله قدر لا كالأقدار... إلى غير ذلك؟؟ ووافقه زرارة بن أعين في حدوث علم اللع تعالى، وزاد عليه بحدوث: قدرته، وحياته،و سائر صفاته؛ وإنه لم يكن قبل حدوث هذه الصفات: عالماً، ولا قادراً، ولا حياً، ولا سميعاً، ولا بصيراً، ولا مريداً، ولا متكلماً.
وكان يقول بإمامة عبد الله بن جعفر؛ فلما فاوضه في مسائل، ولم يجده بها ملياً رجع إلى موسى بن جعفر وقيل أيضاً: غنه لم يقل بإمامته، إلا أنه أشار إلى المصحف؛ وقال: هذا إمامي؛ وإنه كان قد التوى على عبد الله بن جعفر بعض الإلتواء.
وحكى عن الزرارية: أن المعرفة ضرورية، وأنه لا يسع جهل الأئمة؛ فإن معارفهم كلها فطرية ضرورية، وكل ما يعرفه غيرهم بالنظر فهو عندهم أولي ضروري، وفطرياتهم لا يدركها غيرهم.
النعمانية أصحاب: محمد بن النعمان أبي جعفر الأحول، الملقب بشيطان الطاق: وهم: الشيطانية أيضاً.
والشيعت تقول: هو مؤمن الطاق.
وهو تلميذ الباقر: محمد بن علي بن الحسين رضي الله عنهم، وأفضى إليه أسراراً من أحواله وعلومه. وما يحكى عنه في التشبيه، فهو غير صحيح.
قيل: وافق هشام بن الحكم في أن الله تعالى لا يعلم شيئاً حتى يكون.
قال محمد بن النعمان: إن الله عالم في نفسه، ليس بجاهل؛ ولكنه إنما يعلم الأشياء إذا قدرها وأرادها، فأما من قبل أن يقدرها ويريدها فمحال أن يعلمها، لا لأنه ليس بعالم؛ ولكن الشيء لا يكون شيئاً حتى يقدره وينشئه بالتقدير، والتقدير عنده: الإرادة، والإرادة: فعله تعالى.
الملل والنحل - (ج 1 / ص 55)
وقال: إن الله تعالى نور على صورة إنسان رباني، ونفى أن يكون جسماً، لكنه قال: قد ورد في الخبر: إن الله خلق آدم على صورته، وعلى صورة الرحمن؛ فلا بد من تصديق الخبر. ويحكى عن مقاتل بن سليمان: مثل مقالته في الصورة. وكذلك يحكى عن: داود الجواربي، ونعيم بن حماد المصري؛ وغيرهما من أصحاب الحديث: أنه تعالى ذو صورة وأعضاء. ويحكى عن داود أنه قال: اعفوني عن الفرج واللحية، واسألوني عما وراء ذلك؛ فإن في الأخبار ما يثبت ذلك.
وقد صنف ابن النعمان كتبأ جمة للشيعة؛ منها افعل لم فعلت، و: منها افعل لا تفعل؛ ويذكر فيها: أن كبار الفرق أربعة: الفرقة الأولى عنده: القدرية، الفرقة الثانية عنده: الخوارج، الفرقة الثالثة عنده: العامة، الفرقة الرابعة عنده: الشيعة.
ثم عين الشيعة بالنجاة في الآخرة من هذه الفرق.
وذكر عن هشام بن سالم ومحمد بن النعمان: أنهما أمسكا عن الكلام في الله؛ ورويا عمن يوجبان تصديقه: أنه سئل عن قول الله تعالى: " وأن إلى ربك المنتهى " ؟ قال: إذا بلغ الكلامإلى الله تعالى فأمسكوا؛ فأمسكا عن القول في الله، والتفكر فيه حتى ماتا... هذا نقل الوراق.
ومن جملة الشيعة: اليونسية أصحاب: يونس بن عبد الرحمن القمي مولى آل يقطين. زعم أن الملائكة تحمل العرش، والعرش يحمل الرب تعالى؛ إذ قد ورد في الخبر: أن الملائكة تئط أحياناً من وطأة عظمة الله تعالى على العرش.
وهو من مشبهة الشيعة؛ وقد صنف لهم كتباً في ذلك.
النصيرية والإسحاقية من جملة غلاة الشيعة، ولهم جماعة ينصرون مذهبهم، ويذبون عن أصحاب مقالاتهم؛ وبينهم خلاف في كيفية إطلاق الإلهية على الأئمة من أهل البيت.قالوا: ظهور الروحاني بالجسد الجسماني أمر لا ينكره عاقل: أما في جانب الخير؛ فكظهور جبريل عليه السلام ببعض الأشخاص، والتصور بصورة أعرابي، والتمثل بصورة البشر. وأما في جانب الشر؛ فكظهور الشيطان بصورة إنسان، حتى يعمل الشر بصورته؛ وظهور الجن بصورةبشر حتى يتكلم بلسانه... فكذلكنقول: إن الله تعالى ظهر بصورة أشخاص.
ولما لم يكن بعد رشول الله صلى الله عليه وسلم شخص أفضل من علي رضي الله عنه، وبعده أولاده المخصوصون، وهم خير البرية؛ فظهر الحق بصورتهم، ونطق بلسانهم، وأخذ بأيديهم؛ فعن هذا أطلقنا اسم الإلهية عليهم. وإنما أثبتنا هذا الإختصاص لعلي رضي الله عنه دون غيره؛ لأنه كان مخصوصاً بتأييد غلهي من عند الله تعالى، فيما يتعلق بباطن الأسرار. قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أنا أحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر " .و عن هذا كان قتال المشركين إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ وقتال المنافقين إلى علي رضي الله عنه. وعن هذا: شبهه بعيسى بن مريم عليه السلام؛ فقال صلى الله عليه وسلم: لولا أن يقول الناس فيك ما قالوا في عيسى بن مريم عليه السلام: لقلت فيك مقالاً. وربما أثبتوا له شركة في الرسالة؛ إذ قال النبي عليه السلام: " فيكم من يقاتل على تأويله؛ كما قاتلت على تنزيله؛ ألا وهو خاصف النعل " . فعلم التأويل، وقتال المنافقين، ومكالمة الجن، وقلع باب خيبر لا بقوة جسدانية: من أدل الدليل على أن فيه جزءاً إلهياً، وقوة ربانية. ويمون هو الذي ظهر الإله بصورته، وخلق بيديه، وأمر بلسانه؛ وعن هذا قالوا: كان موجوداً قبل خلق السموات والأرض. قال: كنا أظله على يمين العرش، فسبحنا، فسبحت الملائكة بتسبيحنا؛ فتلك الظلال؛ وتلك الصور التي تنبىء عن الظلال: هي حقيقته، وهي مشرقة بنور الرب تعالى إشراقاً لا ينفصل عنها؛ سواء كانت في هذا العالمن أو في ذلك العالم. وعن هذا: قال علي رضي اللع عنه: أنا من أحمد كالضوء من الضوء يعني: لا فرق بين النورين؛ إلا أن أحدهما سابق، والثاني لا حق به تال له. قالوا: وهذا يدل على نوع من الشركة.
فالنصيرية: أميل إلى تقرير: الجزء الإلهي.
والإسحاقية: أميل إلى تقرير: الشركة في النبوة.
ولهم اختلافات كثيرة أخر: لا نذكرها.
وقد أنجزت الفرق الإسلامية، وما بقيت إلا فرقة البطنية؛ وقد أوردهم أصحاب التصانيف في كتب المقالات: إما خارجة عن الفرق، وإما داخلة فيها. وبالجملة: هم قوم يخالفون الإثنتين والسبعين فرقة.
رجال الشيعة ومصنفي كتبهم من المحدثين: فمنالزيدية أبو خالد الواسطي ومنصمور بن الأسود، وهارون بن سعد العجلي.... جارودية.
الملل والنحل - (ج 1 / ص 56)
ووكيع بن الجراح، ويحيى بن آدم، وعبيد الله بن موسى، وعلي بن صالح، والفضل بن دكين، وأبو حنيفة... بترية.و خرج محمد بن عجلان؛ مع محمد الإمام.
وخرج: إبراهين بن سعيد، وعباد بن عوام، ويزيد بن هارةون، والعلاء ابن ؤاشد، وهشيم بن بشير، والعوام بن حوشب، ومستلم بن سعيد؛ مع إبراهيم الإمامة.
ومن الإمامية وساءر أصناف الشيعة: سالم بن أبي الجعد، وسالم ابن أبي حفصة، وسلمة بن كهيل، وثوير بن أبي فاختة، وحبيب بن أبي ثابت، وأبو المقدام، وشعبة، والأعمش، وجابر الجعفي، وأبو عبد الله الجدلي، وأبو غسحاق السبيعي، والمغيرة، وطاووس، والشعبي، وعلقمة، وهبيرةابن بريم، وحبة العرني، والحارث الأعور.
ومن مؤلفي كتبهم: هشام بن الحكم، وعلي بن منصور، ويونس ابن عبد الرحمن، والشكال، والفضل بن شاذان، والحسين بن إشكاب، ومحمد بن عبد الرحمن، وابن قبة، وأبو سهل النوبختي، وأحمد بن يحيى الرواندي. ومن المتأخرين: أبو جعفر الطوسي.
الإسماعيلية قد ذكرنا: أن الإسماعيلية امتازت عن الموسوية وعن الإثني عشرية؛ بإثبات الإمامة لإسماعيل بن جعفر، وهو ابنه الأكبر المنصوص عليه في بدء الأمر.
قالوا: لم يتزوج الصادق رضي الله عنه على أمه بواحدة من النساء، ولا تسري بجارية؛ كسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حق خديجة رضي الله عنها، وكسنة علي رضي الله عنه في حق فاطمة رضي الله عنها.
وقد ذكرنا: اختلافاتهم في موته في حال حياة أبيه:فمنهم من قال: إنه مات، وإنما فائدة النص عليه: انتقال الإمامة منه إلى أولاده خاصة؛ كما نص موسى على هارون عليهما السللام، ثم مات هارون في حال حياة أخيه. وإنما فائدة النص انتقال الإمامة منه إلى أولاده؛ فإن النص لا يرجع قهقرى، والقول بالبداء محال، ولا ينص الإمام على واحد من أولاده إلا بعد السماع من آبائه؛ والتعيين لا يجوز على الإبهام والجهالة.
ومنهم من قال: إنه لم يمت، ولكنه أظهر موته تقية عليه حتى لا يقصد بالقتل؛ ولهذا القول دلالات: منها أن محمداً كان صغيراً وهو أخوه لأمه مضى إلى السرير الذي كان إسماعيل نائماً عليه؛ ورفع الملاءة؛ فأبصره وقد فتح عينيه؛ فعاد إلى أبيه مفزعاً، وقال: عاش أخي، عاش أخي... قال والده: إن أولاد الرسول عليه السلام كذا تكون حالهم في الآخرة. قالوا ومنها السبب في الإشهاد على موته وكتب المحضر عليه، ولم نعهد ميتاً سجل على موته؛ وعن هذا: لما رفع إلى المنصور: أن إسماعيل بن جعفر رئي بالبصرة؛ وقد مر على مقعد فدعا له، فبرىء، بإذن الله تعالى: بعث المنصور إلى الصادق: أن إسماعيل بن جعفر في الأحياء؛ وأنه رئي بالبصرة: أنفذ السجل إليه، وعليه شهادة عاملة بالمدينة.
قالوا: وبعد إسماعيل محمد بن إسماعيل السا بع التام، وإنما تم دور السبعة به، ثم ابتدى منه بالأئمة المستورين الذين كانوا يسيرون في البلاد سراً. ويظهرون الدعاة جهراً.
قالوا: ولن تخلو الأرض قط من إمام حي قائم: إما ظاهر مكشوف، وإما باطن مستور. فإذا كان الإمام ظاهراً؛ جاز أن يكون حجته مستوراً. وإذا كان الإمام مستوراً؛ فلا بد أن يكون حجته ودعاته ظاهرين.
وقالواإ إن الأمة تدور أحكامهم على سبعة سبعة: كأيام الأسبوع، والسموات السبع، والكواكب السبعة؛ والنقباء تدور أحكامهم على إثني عشر.
قالوا: وعن هذا وقعت الشبهة للإمامية القطعية؛ حيث قرروا عدد النقباء للأئمة.
ثم بعد الأئمة المستورين كان ظهور المهدي بالله، والقائم بأمر الله، وأولادهم: نصاً بعد نص، على إمام بعد إمام.
ومن مذهبهم: أن من مات ولم يعرف إمام زمانه: مات ميتة جاهلية. وكذلك من مات ولم يكن في عنقه بيعة إمام مات ميتة جاهلية.
ولهم دعوة في كل زمانن ومقالة جديدة بكل لسان. فتذكر مقالاتهم القديمة؛ ونذكر بعدها دعوة صاحب الدعوة الجديدة.
وأشهر ألقابهم الباطنية؛ وإنما لزمهم هذا اللقب؛ لحطمهم لأن: لكل ظاهر باطناً؛ ولكل تنزيل تأويلاً.
ولهم ألقاب كثيرة سوى هذه على لسان قوم قوم: فبالعراق يسمون: الباطنيةن والقرامطة، والمزدكية؛ وبخراسان التعليمية، والملحدة وهم يقولون: نحن إسماعيلية؛ لأنا تميزنا عن فرق الشيعة بهذا الاسم وهذا الشخص.
الملل والنحل - (ج 1 / ص 57)
ثم إن الباطنية القديمة قد خلطوا كلامهم ببعض كلام الفلاسفة، وصنفوا كتبهم على هذا المنهاج. فقالوا في الباري تعالى: إنا لا نقول: هو موجود؛ ولا لا موجود، ولا عالم؛ ولا جاهل، ولا قادر، ولا عاجز.
وكذلك في جميع الصفات؛ فإن الإثبات الحقيقي يقتضي شركة بينه وبين سائر الموجودات في الجه التي أطلقناها عليه، وذلك تشبيه؛ فلم يمكن الحكم بالإثبات المطلق؛ بل هو: إله المتقابلين، وخالق المتخاصمينن والحاكم بين المتضادين. ونقلوا في هذا نصاً عن محمد بن علي بن الباقر انه قال: لما وهب العلم للعالمين؛ قيل: هو عالمن ولما وهب القدرة للقادرين؛ قيل: قو قادر؛ فهو: عالمن قادر؛ بمعنى أنه وهب العلم، والقدرة؛ لا بمعنى أنه قام به العلم والقدرةن أو وصف بالعلم والقدرة.
فقيل فيهم: إنهم نفاة الصفات حقيقة، معطلة الذات عن جميع الصفات.
وكذلك نقول في القدم: إنه ليس بقديم ولا محدث؛ بل القديم: أمرهن وكلمتهن والمحدث: خلقه، وفطرته...
لأبدع بالأمر العقل الأول الذي هو تام بالفعلن ثم بتوسطه أبدع النفس التاي الذي هو غير تام. ونسبة النفس إلى العقل: إما نسبة النطفة إلى تمام الخلقة، والبيض إلى الطير؛ وإما نسبة الولد إلى الوالدن والنتيجة إلى المنتج؛ وإما نسبة الذكر إلى الانثى، والزوج إلى الزوج. قالوا: ولما اشتاقت النفس إلى كمال العقل احتاجت إلى حركة من النقص إلى الكمال، واحتاجت الحركة إلى آلة الحركة؛ فحدثت الأفلاك السماوية، وتحركت حركة استقامة بتدبير النفس أيضاً؛ فتركبت المركبات: من المعادن، والنبات، والحيوان، والإنسان؛ واتصلت النفوس الجزئية بالأبدان. وكان من نوع الإنسان متميزاً عن سائر الموجودات بالإستعداد الخاص لفيض تلك الأنوار، وكان عالمه في مقابلة العالم كله.
وفي العالم العلوي: عقل، ونفس كلي؛ فوجب أن يكون في هذا العالم: عقل مشخص هو كل، وحكمه حكم الشخص الكامل البالغ، ويسمونه: الناطق... المتوجه إلى الكمال، أو حكم النطفة المتوجهة إلى التمام، أو حكم الأنثى المزدوجة بالذكر؛ ويسمونه: الأساس. وهو الوصي.
قالوا: وكما تحركت الأفلاك والطبائع بتحريك النفس والعقلح كذلك تحركت النفوس والاشخاص بالشرائع بتحريك النبي، والوصي في كل زمان دائراً على سبعة سبعة؛ حتى ينتهي إلى الدور الأخير، ويدخل زمان القيامةن وترتفع التكاليف، وتضمحل السنن والشرائع.
وإنما هذه الحركات الفلكية، والسنن الشرعية؛ لتبلغ النفس إلى حال كمالها؛ وكمالها: بلوغها إلى درجة العقل،و اتحادها به، ووصولها إلى مرتبته فعلاًح وذلك هو القيامة الكبرى. فتنحل تراكيب الأفالك والعناصر والمركبات، وتنشق السماء، وتتناثر الكواكب، وتبدل الأرض غير الأرض، وتطوى السماء كطي السجل للكتاب المرقوم؛ وفيه يحاسب الخلق، ويتميز الخير عن الشر، والمطيع عن العاصين وتتصل جزئيات الحق بالنفس الكلي، وجزيئات الباطل بالشيطان المضل المبطل. فمن وقت الحركة لى وقت السكون: هو المبدأ؛ ومن وقت السكون إلى ما لا نهاية له: هو الكمال.
ثم قالوا: ما من فريضة، وسنة، وحكم من الأحكام الشرعية: من بيع وإجارةن وهبة، ونكاح، وطلاق، وجراح، وقصاص، ودية...إلا وله وزان من العالم: عدداً في مقابلة عدد، وحكماً في كطابقة حكم؛ فإن الشرائع عوالم روحانية أمرية، والوالم شرائع جسمانية خلقية. وكذلك التركيبات في الحروف والكلمات: على وزان التركيبات في الصور والأجسام؛ والحروف المفردة نسبتها إلى المركبات من الكلمات: كالبسائط المجردة إلى المركبات من الأجسام. ولكل حرف: وزان في العالم، وطبيعة يخصها، وتأثير من حيث تلك الخاصية في النفوس.
الملل والنحل - (ج 1 / ص 58)
فعن هذا صارت العلوم المستفادة من الكلمات التعليمية غذاء للنفوس، كما صارت الأغذية المستفادة من الطبائع الخلقية غذاء للابدان؛ وقد قدر الله تعالى: أن يكون غذاء كل موجود مما خلق منه؛ فعلى هذا الوزن صاروا إلى : ذكر أعداد الكلمات والآيات، وأن التسمية مركبة من سبعة وإثني عشر، وأن التهليل مركب من أربع كلمات في إحدى الشهادتين، وثلاث كلمات في الشهادة الثانية، وسبع قطع في الأولى، وست في الثانية، وإثني عشر حرفاً في الأولى، وإثني عشر حرفاً في الثانية. وكذلك في كل آية أمكنهم استخراج ذلك مما لا يعمل العاقل فكرته فيه إلا ويعجز عن ذلك؛ خوفاً من مقابلته بضدهز وهذه المقابلات كانت طريقة أسلافهم؛ قد صنفوا فيها كتباً. ودعوا الناس إلى إمام في كل زمان: يعرف موازنات هذه العلوم، ويهتدي إلى مدارج هذه الأوضاع والرسوم.
ثم إن أصحاب الدعوة الجديدة: تنكبوا هذه الطريقة؛ حين أظهر الحسن بن محمد بن الصباح دعوته، وقصر على الإلزامات كلمته، واستظهر بالرجال، وتحصن بالقلاع.
وكان بدء صعوده على قلعة: ألموت في شهر شعبان سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة؛ وذلك بعد أن هاجر إلى بلاد إمامة وتلقى منه كيفية الدعوى لأبناء زمانه.
فعاد، ودعا الناس أول دعوة إلى تعيين: إمام صادق، قائم في كل زمان؛ وتمييز الفرقة الناجية عن سائر الفرق بهذه النكتة وهي: أن لهم إماماً وليس لغيرهم إمام. وإنما تعود خلاصة كلامه، بعد ترديد القول فيه: عوداً على بدء بالعربية، والعجمية إلى هذا الحرف.
ونحن ننقل ماكتبه بالعجمية إلى العربية. ولا معاب على الناقل، والموفق من اتبع الحق، واجتنب الباطل، والله الموفق والمعين.
فنبدأ بالفصول الأربعة، التي ابتدأ بها دعوته؛ وكتبها عجمية، فعربتها: الأول:قال: للمفتي في معرفت اللع تعالى أحد قولين: إما أن يقول: أعرف الباري تعالى بمجرد العقل والنظر؛ من غير احتياج إلى تعليم معلم؛ وإما أن يقول: لا طريق إلى المعرفة مع العقل والنظر إلا بتعليم معلم؛ قال:و من أفتى بالأول؛ فليس له الإنكار على عقل غيره ونظره؛ فإنه متى أنكر، فقد علم، والإنكار تعليم، ودليل على أن المنكر عليه محتاج إلى غيره. قال: والقسمان ضروريان؛ لأن الإنسان إذا أفتى بفتوى، أو قال قولاً؛ فإما أن يقول من نفسه، أو من غيره؛ وكذلك إذا اعتقد عقداً: فإما أن يعتقده من نفسه، أو من غيره.
هذا هو الفصل الأول؛ وهو كسر على: أصحاب الرأي والعقل. وذكر في الفصل الثاني: أنه إذا ثبت الإحتياج إلى معلم؛ أفيصلح كل معلم على الإطلاق، أم لا بد من معلم صادق؟. قال: ومن قال: إنه يصلح كل معلم؛ ما ساغ له الإنكار على معلم خصمه، وإذا أنكر فقد سلم أنه لا بد من معلم صادق معتمد. قيل: وهذا كسر على: أصحاب الحديث.
وذكر في الفصل الثالث: أنه إذا ثبت الإحتياج إلى معلم صادق؛ أفلا بد من معرفة المعلم أولاً والظفر به، ثم التعلم منه؟ أم جاز التعلم من كل معلم، من غير تعيين شخصه، وتبيين صدقه؟ والثاني رجوع إلى الأول. ومن لن يمكنه سلوك الطريق إلا بمقدم ورفيق؛ فالرفيق ثم الطريق. وهو كسر على الشيعة.
وذكر في الفصل الرابع أن الناس فرقتان؛ فرقة قالت: نحن نحتاج في معرفة الباري تعالى إلى معلم صادق، ويجب تعيينه وتشخيصه أولاً ثم التعلم منه. وفرقة أخذت في كل علم من معلم، وغير معلم. وقد تبين بالمقدمات السابقة: أن الحق مع الفرقة الأولى، فرئيسهم يجب أن يكون رئيس المحقين؛ وإذ تبين ان الباطل مع الفرقة الثانية؛ فرؤساؤهم يجب أن يكونوا رؤساء المبطلين.
قال: وهذه الطريقة هي التي عرفنا بها المحق بالحق معرفة مجملة، ثم نعرف بعد ذلك الحق بالمحق معرفة مفصلة؛ حتى لا يلزم دوران المسائل. وإنما عنى بالحه ههما: الإحتياج وبالمحق المحتاج إليه. وقال: بالإحتياج عرفنا الإمام، وبالإمام عرفنا مقادير الإحتياج؛ كما بالجواز عرفنا الوجوب، أي واجب الوجود، وبه عرفنا مقادير الجواز في الجائزات. قال: والطريق إلى التوحيد كذلك، حذو القذة بالقذة.
ثم ذكر فصولاً في تقرير مذهبه: إما تمهيداً، وإما كسراً على المذاهب؛ وأكثرها: كسر، وإلزامن واستدلال بالإختلاف على البطلان، وبالإتفاق على الحق.
الملل والنحل - (ج 1 / ص 59)
منها فصل الحق والباطل:الصغيرن والكبير، يذكر أن في العالم حقاً، وباطلاًز ثم يذكر أن علامة الحق هي الوحدة، وعلامة الباطل هي الكثرة. وأن الوحدة مع التعليم، والكثرة مع الرأي. والتعليم مع الجماعة، والجماعة مع الإمام. والرأي في الفرق المختلفة، وهي مع رؤسائهم.
وجعل الحق والباطل، والتشابه بينهما من وجه، والتمايز بينهما من وجه، والتضاد في الطرفين، والترتب فيأحد الطرفين... ميزاناً يزن به جميع ما يتكلم فيه.قال: وإنما أنشأت هذا الميزان من كلمة الشهادة، وتركيبها منالنفي والإثبات حق. ووزن بذلك: الخير والشر، والصدق والكذب... وسائر المتضادات. ونكتته: أن يرجع في كل مقالة، وكلمة؛ إلى إثبات المعلم، وأن التوحيد هو:التوحيد والنبوة معاً؛ حتى يكون توحيداً، وأن النبوة هي: النبوة والإمامة معاً؛ حتى تكون نبوة. وهذا هو منتهى كلامه.
وقد منع العوام عن الخوض في العلوم، وكذلك الخواص عن مطالعة الكتب المتقدمة؛ إلا من عرف: كيفية الحال في كل كتاب، ودرجة الرجال في كل علم.
ولم يتعد بأصحابه في الإلهيات عن قوله : إن إلهنا إله محمد. قال: وأنتم تقولون: إلهنا إله العقول؛ أي: ما هدى غليه عقل كل عاقل. فإن قيل لواحد منهم: ما تقول في الباري تعالى؟ وأنه هل هو: واحد؛ أم كثير؟ عالم؛ أم لا؟ قادر؛ أم لا؟... لم يجب إلا بهذا القدر: إن إلهي: إله محمد وهو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق؛ ليظهره على الدين كله، ولو كره المشركون؛ والرسول هو الهادي إليه.
وكم قد ناظرت القوم على المقدمات المذكورة؛ فلم يتخطوا عن قولهم: أفنحتاج إليك؟، أو نسمع هذا منك؟، أو نتعلم عنك؟؟.
وكم قد ساهلت القوم في الإحتياج؛ وقلت: أين المحتاج إليه؟ وأي شيء يقرر لي في الإهيات؟ وماذا يرسم لي في المقولات؟... إذ المعلم لا يعنى لعينه وإنما يعنى؛ ليعلم؛ وقد سددتم باب العلم، وفتحتم باب التسليم والتقليد؛ وليس يرضى عاقل بأن يعتقد مذهباً على غير بصيرة، وأن يسلك طريقً من غير بينة.
وإن كانت: مبادىء الكلام تحكيمات، وعوقبها تسليمات؛ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم؛ ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت، ويسلموا تسليما.
Share this post
  • Share to Facebook
  • Share to Twitter
  • Share to Google+
  • Share to Stumble Upon
  • Share to Evernote
  • Share to Blogger
  • Share to Email
  • Share to Yahoo Messenger
  • More...

0 comments

:) :-) :)) =)) :( :-( :(( :d :-d @-) :p :o :>) (o) [-( :-? (p) :-s (m) 8-) :-t :-b b-( :-# =p~ :-$ (b) (f) x-) (k) (h) (c) cheer

 
© ISLAMIC WORLD
Designed by AL.YEASA ,ISLAMIC UNIVERSITY. EMAIL.aleasa.iuk@gmail.com
https://www.facebook.com/ALEASAIUK .
Posts RSSComments RSS
Back to top