Blogger news

Friday, January 27, 2012

ما هو القياس ثم بين اركان القياس حجية القياس(قسم الدوة والدراسات الاسلامية


تعريف السبب :
و " هو معنى ظاهر منضبط ، جعله الشارع أمارة للحكم " (19) وهو بهذا المعنى أعم من العلة لعدم أخذ المناسبة في تعريفه ، وقيد بعضهم السبب بما ليس بينه وبين المسبب مناسبة ظاهرة ، فيكون مبايناً للعلة ، وقيل : انهما مترادفان ; يقول خلاف : " وبعض الاصوليين فرقوا بين علة الحكم وسببه بأن الامر الظاهر ـ الذي ربط الحكم به لان من شأن ربطه به تحقيق حكمة الحكم ـ إن كان يعقل وجه كونه مظنة لتحقيق الحكمة يسمى علة الحكم ; وإن كان لا يعقل وجه هذا الارتباط يسمى سبب الحكم ; فشهود شهر رمضان سبب لايجاب صومه لا علة له ، لان العقل لا يدرك وجه كون هذا الشهر دون سواه مظنة لتحقيق الحكمة لايجاب الصوم ; ودلوك الشمس أي زوالها أو غروبها ، سبب لايجاب إقامة الصلاة لا علة له ، لان العقل لا يدرك وجه كون هذا الوقت دون غيره مظنّة لتحقيق الحكمة من إيجاب إقامة الصلاة ; فكل علة سبب وليس كل سبب علة ; وبعض الاصوليين لم يفرقوا بين لفظي العلة والسبب " (20) ، وهذه التفرقة التي ذكرها بين السبب والعلة تنتهي الى التباين بينهما ، فتفريعه بعد ذلك عليها بقوله : " فكل علة سبب ، وليس كل سبب علة " أي بكون النسبة بينهما هي العموم المطلق لا يتضح له وجه .

تعريف الحكمة :
و" هي المصلحة المقصودة للشارع من تشريع الحكم " (21) أي " ما قصد اليه الشارع من جلب نفع ودفع ضرر " (22) والفارق بينها وبين العلة أن العلة أخذ فيها قيد الانضباط ، والحكمة لم يؤخذ فيها ذلك القيد ، ولذا لم يجعلها الشارع أمارة على حكمه ، ولم يدر الحكم معها وجوداً وعدماً بخلاف العلة والسبب في حدود تعريفيهما السابقين .

تعريف الشرط :

تقسيمات العلة :
1 ـ تقسيمها باعتبار المناسبة :
وقد قسموا العلة من حيث اعتبار الشارع لمناسبتها وعدمه ونوعية ذلك الاعتبار الى أربعة أقسام :
أ ـ ما أسموه بالمناسب المؤثر ، وهو الذي اعتبر الشارع علة بأتم وجوه الاعتبار ، ودلل صراحة أو إشارة على ذلك و " ما دام الشارع دل على أن هذا المناسب هو علة الحكم فكأنه دل على أن الحكم نشأ عنه وأنه أثر من آثاره ، ولهذا سماه الاصوليون المناسب المؤثر وهو العلة المنصوص عليها " (24) ; يقول خلاف : " ولا خلاف بين العلماء في بناء القياس على المناسب المؤثر ، ويسمون القياس بناء عليه قياساً في معنى الاصل " (25) ، ولكن دعوى عدم الخلاف سينقضها ما يرد عن ابن حزم وغيره من عدم الاخذ به أصلاً ، اللهم إلا ان يريد من عدم الخلاف هو عدم الخلاف بين خصوص الاخذين بالقياس كدليل من الادلة الشرعية ، وهو خلاف ظاهر كلامه .
ب ـ المناسب الملائم : وهو الذي لم يعتبره الشارع بعينه علة لحكمه في المقيس عليه وان كان قد اعتبره علة لحكم من جنس هذا الحكم في نص آخر ، ومثلوا له بالحديث القائل : " لا يزوّج البكر الصغيرة إلا وليّها " (26) ففي رأي أصحاب القياس أن الحديث اشتمل على وصفين كل منهما صالح للتعليل وهو الصغر والبكارة ، وبما أنه علل ولاية الولي على الصغيرة في المال في آية ( وابتلوا اليتامى حتى اذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا اليهم أموالهم ) (27) ، " وما دام الشارع قد اعتبر الصغر علة للولاية على المال ، والولاية على المال والولاية على التزويج نوعان من جنس واحد هو الولاية ، فيكون الشارع قد اعتبر الصغر علّة للولاية على التزويج بوجه من وجوه الاعتبار ، ولهذا يقاس على البكر الصغيرة من في حكمها من جهة نقص العقل وهي المجنونة أو المعتوهة وتقاس عليها أيضاً الثيّب الصغيرة " (28) وبذا أسقطوا دلالة لفظ البكارة من الحديث مع امكان ان تكون جزءاً من التعليل كما هو مقتضى جمعها مع الصغر لو أمكن استفادة التعليل من أمثال هذه التعابير ، وستأتي المناقشة في المسألة كبروياً ، فلا تهم المناقشة في الصغرى .
ج ـ المناسب الملغى : وهو الذي ألغى الشارع اعتباره مع أنه مظنّة تحقيق المصلحة " أي أن بناء الحكم عليه من شأنه ان يحقق مصلحة ، ولكن دل دليل شرعي على إلغاء اعتبار هذا المناسب ومنع بناء الحكم الشرعي عليه " (29) .
ومثلوا له بفتوى من أفتى أحد الملوك بأن كفّارته في إفطار شهر رمضان هو خصوص صيام شهرين متتابعين ، لانه وجد أن المناسب من تشريع الكفارات ردع أصحابها عن التهاون في الافطار العمدي ، ومثل هذا الملك لا تهمه بقية خصال الكفارة لتوفّر عناصرها لديه ، فإلزامه بالصيام أكثر مناسبة لتحقيق مظنّة الحكمة من التشريع .
ولكن هذا الاستنتاج ينافي إطلاق التخيير ، فكأن الشارع المقدس ألغى بإطلاقه التخيير وعدم تقييده بالاخذ بالاشق هذا المناسب ، ولذلك لم يصوّبوا هذا المفتي بفتياه .
د ـ المناسب المرسل : وهو الذي يظهر للمجتهد أن بناء الحكم عليه لابدّ ان يحقق مصلحة ما مع أن الشارع لم يقم على اعتباره أو إلغائه أيما دليل ، وسنطيل الوقوف عند هذا القسم في مبحث المصالح المرسلة ، إن شاء الله تعالى (30) .

2 ـ تقسيم الاجتهاد في العلة :
ذكروا للاجتهاد في العلة أقساماً ثلاثة :
أ ـ تحقيق المناط :
وقد قسّمه المقدسي الى نوعين :
أولاهما : " أن تكون القاعدة الكلية متفقاً عليها أو منصوصاً عليها ، ويجتهد في تحقيقها في الفرع " (31) ، ومثل له بالاجتهاد في القبلة وهو معلوم بالنص ، والاجتهاد إنما يكون في تشخيص القبلة من بين الجهات ، وكذلك تعيين الامام ، والعدل ، ومقدار الكفايات في النفقات ونحوها .
ثانيهما : " ما عرف علة الحكم فيه بنص أو إجماع ، فيبين المجتهد وجودها في الفرع باجتهاده ، مثل قول النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في الهرة ( انها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات ) (32) جعل الطواف علة ، فيبين المجتهد باجتهاده وجود الطواف في الحشرات من الفأرة وغيرها ليلحقها بالهر في الطهارة ، فهذا قياس جلي قد أقرّ به جماعة ممن ينكر القياس " (33) .
والاول من النوعين موضع اتفاق المسلمين على الاخذ به ، إلا أن اعتباره من قبيل تحقيق المناط مما لا يعرف له وجه ، لانه لا يزيد على كونه اجتهاداً في مقام تشخيص صغريات موضوع الحكم الكبروي ، وليس هو اجتهاداً في تشخيص علة الاصل في الفرع لينتظم في هذا القسم ، فعده قسماً من تحقيق المناط لا يبدو له وجه ، ولقد استدرك بعد ذلك فنفى هذا القسم من تحقيق المناط عن القياس لان " هذا متفق عليه ، والقياس مختلف فيه " (34) والانسب تعليله بعدم انطباق مفهوم القياس عليه ، لان الاتفاق والاختلاف لا يغيّر من واقع الاشياء اذا كان مفهومها متسعاً له ، ثم علل سر الاتفاق عليه ـ فيما يبدو ـ بأن " هذا من ضرورة كل شريعة ، لان التنصيص على عدالة كل شخص وقدر كفاية الاشخاص لا يوجد " (35) ; وكأن مراده أن جميع القضايا الشرعية إنما وردت على سبيل القضايا الحقيقية لا القضايا الخارجية ، فلا تتكفل تشخيص وتعيين موضوعاتها خارجاً ، وإنما يترك تشخيص الموضوعات الى المكلفين أنفسهم بالطرق والقواعد المجعولة من قبل الشارع لذلك ; ومن هنا قيل : ان القضية لا تعين موضوعها خارجاً اذا كانت قضية حقيقية ، فالدليل الذي يأمرك بالصلاة خلف العادل لا يعين لك أن فلاناً مثلاً عادل أو غير عادل وهذا من الواضحات .

ب ـ تنقيح المناط :
" وهو ان يضيف الشارع الحكم الى سببه فتقترن به أوصاف لا مدخل لها في الاضافة فيجب حذفها عن الاعتبار ليتسع الحكم " (36) ، ومثلوا له بقصة الاعرابي الذي قال للنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) : " هلكت يا رسول الله ! فقال له : ما صنعت ؟ قال : وقعت على أهلي في نهار رمضان ; قال : اعتق رقبة " (37) حيث استفادوا عدم الخصوصية في كونه أعرابياً ، فألحقوا به جميع المكلفين ، ولا في كون المرأة التي وقع عليها أهلا له فألحقوا به الزنى ، ولا خصوصية لخصوص شهر رمضان الذي وقع فيه على أهله فألحقوا به جميع أشهر الصيام ، الى ما هنالك من الخصوصيات التي يعلم بعدم مدخليتها .
وهذه التعميمات وأمثالها مما تقتضيها مناسبة الحكم والموضوع ، وهناك تعميمات مظنونة وقعت موقع الخلاف ، كالقول بأن النكاح لا خصوصية له ، فلا بد ان يعمم الى كل مفطر ، وهي مبنية على حجية القياس المظنون .

ج ـ تخريج المناط :
" وهو ان ينص الشارع على حكم في محل دون ان يتعرض لمناط أصلاً " (38) كتحريمه الربا في البر فيعمم الى كل مكيل من طريق استنباط علته بدعوى استفادة أن العلة في التحريم هو كونه مكيلاً .
3 ـ تقسيم مسالك العلة :
ويراد بمسالك العلة الطرق المفضية اليها والكاشفة عنها ، وقد قسمها الغزالي الى قسمين : صحيحة وفاسدة ، ونظراً لارتباط أهم مباحث القياس وهو حجيته بها ، فان من الحق ان نطيل نسبياً في التحدث عنها تبعاً لمن سبقنا من الباحثين ، وإن كنا سنخالف الكثير منهم في نهج الحديث ابعاداً لما وقعوا فيه من تداخل بعض أقسامها في بعض ، وقد آثرنا نهج الغزالي في تقسيمها وان لم نقتفه في جملة ما جاء به من خصوصيات احتفاظاً بجدة ما جدَّ عليه من تنظيم .
لقد قسم الغزالي مسالك العلة الى قسمين : صحيحة وفاسدة .

المسالك الصحيحة :
وقسم المسالك الصحيحة الى ثلاثة أقسام (39) :
أولاها : ما كانت العلة مدلولة للادلة اللفظية ، وينتظم في هذا القسم منها :
أ ـ ما كان دالاًّ عليها بالدلالة المطابقية أي دلالة اللفظ على تمام معناها كدلالة لفظ العلة ومشتقاتها ، ودلالة حروف التعليل كاللام والفاء وما شاكلهما مما نص اللغويون أو النحاة على وضعها لهذا المعنى أو استعمالها فيه مع توفر القرائن المعينة في المشترك منها ، أو الصارفة فيما استعمل فيها مجازاً على ان يفهم ـ نصاً أو إطلاقاً ـ استقلالها في العلية ، وعدم قصرها على موضوعها .
ب ـ ما كانت مدلولة بالدلالة الالتزامية ، وهي التي ينتقل الذهن فيها الى المعنى لمجرد سماعه اللفظ أي ما كان اللازم فيها بيّناً بالمعنى الاخص ويدخل ضمن هذا القسم :
1 ـ مفهوم الموافقة أو قياس الاولوية : وهو ما كان اقتضاء الجامع فيه للحكم بالفرع أقوى وأوكد منه في الاصل (40) ، ومثاله ما ورد في الكتاب من النهي عن التأفف من الوالدين ( ولا تقل لهما أفّ ) (41) القاضي بتحريم ضربهما ، وتوجيه الاهانة اليهما .
2 ـ مفهوم المخالفة : كمفاهيم الشرط والحصر والوصف والغاية بناء على ثبوتها المستلزم لثبوت الحجية لها ، شريطة ان يفهم أن العلة فيها مستقلة ومتعدية ليستفاد الاطراد منها ـ وهو الذي يهمنا في حديثنا هذا ـ وان كان استفادة نفي الحكم منها لا يحتاج الى اكثر من إثبات انحصارها في العلية ، وهو معنى ظهورها في مفهوم المخالفة .
3 ـ دلالة الاقتضاء : " وهي الدلالة المقصودة للمتكلم التي يتوقف صدق الكلام أو صحته عقلاً أو شرعاً أو لغة عليها " (42) اذا كان المحذوف هو العلة ، واستكملت شرائطها بالقرائن ، ومثاله ان يسأل سائل ما عن علة جواز الصلاة خلف العالم العادل أهي العدالة ؟ فيجيبه الشارع بلى ، وعندها يستفاد تعميم الحكم الى كل عادل من هذا الجواب أخذاً بعموم العلة .
4 ـ دلالة الايماء والتنبيه : وهي الدلالة المقصودة للمتكلم أيضاً ، إلا أن الكلام لا يتوقف صدقه أو صحته عليها ، وانما يقطع أو يستبعد عدم إرادتها ، ومثالها قول الشارع مثلاً : طهر فمك لمن قال : شربت ماء متنجساً . مما يستكشف منه ان العلة في التطهير هو استعمال المتنجس وأنه منجس ولا خصوصية للفم .
ج ـ ان لا تكون مدلولة بالدلالة البينة بالمعنى الاخص ، بل بالدلالة غير البينة ، أو
البينة بالمعنى الاعم ، كأن تستفاد العلة المنحصرة المستقلة من الجمع بين دليلين أو أكثر ، ويسمى هذا النوع بدلالة الاشارة وتسميتها دلالة لا يخلو من مسامحة .
ولقد وقع الخلط والتداخل بين هذه الاقسام على ألسنة أكثر الباحثين ولا يهم الدخول في تفصيل ما دخلوا فيه ، لعدم ترتب ثمرات على ذلك .
ثانيها : الاجماع ، ولا يقع ذلك إلا اذا قام على معقد له معلل بعلة خاصة فهم منها الاطراد والاستقلال بالعلية ، أو قام الاجماع على نفس العلة المطردة المستقلة . يقول في القوانين المحكمة : " التعدي من قوله(عليه السلام) : ( اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه ) (43) الى وجوب غسل البدن والازالة عن المسجد والمأكول والمشروب وغيرها ، إنما هو لاجل استفادة ان علة وجوب الغسل عن الثوب هي النجاسة ، ودليله الاجماع فيجب الاحتراز عنه في كل ما يشترط فيه الطهارة " (44) .
ثالثها : إثباتها من طريق الاستنباط ، وهو أنواع أهمها :
أ ـ طريقة السبر والتقسيم ، ويراد بالسبر الاختبار ، وبالتقسيم استعراض الاوصاف التي تصلح ان تكون علة في الاصل وترديد العلة بينها .
" وخلاصة هذا المسلك ان المجتهد عليه ان يبحث في الاوصاف الموجودة في الاصل ، ويستبعد ما لا يصح ان يكون علة منها ، ويستبقي ما هو علة حسب رجحان ظنه ، وهاديه في الاستبعاد والاستبقاء تحقق شروط العلة بحيث لا يستبقي إلا وصفاً ظاهراً منضبطاً متعدياً مناسباً معتبراً بنوع من أنواع الاعتبار " (45) .
وفي هذا المسلك تتفاوت عقول المجتهدين في مجالات الاستنباط وتختلف اختلافاً كبيراً ، وعلى سبيل المثال نرى ان " الحنفية رأوا المناسب في تعليل التحريم في الاموال الربوية القدر مع اتحاد الجنس ، والشافعية رأوه الطعم مع اتحاد الجنس ، والمالكية رأوه القوت والادخار مع اتحاد الجنس (46) .
ب ـ إثبات العلة بابداء مناسبتها للحكم ، كأن يقال ـ مثلاً ـ ان هذا الوصف في الاصل هو الذي يناسب ان يكون مظنة لتحقيق الحكمة من هذا الحكم وعليه فيجب ان يكون هو العلة ، وقد مضى منا الحديث في أقسام المناسب وتعيين ما يدخل منها في موضع النزاع من غيره فلا نعيده هنا .
هذا كله في المسالك التي اعتبرها الغزالي صحيحة ، أما المسالك الفاسدة فقد حصرها في ثلاثة (47) :
1 ـ أن يستدل على علة الاصل بسلامتها عن علة تعارضها وتقتضي نقيض حكمها بدعوى أن دليل صحتها هو انتفاء المفسد ، وقد رد هذا الدليل بإمكان قلبه فيقال عنه ان دليل فساده هو عدم الدليل على صحته ، إذ لا يكفي للصحة انتفاء المفسد ، بل لا بد من قيام الدليل على الصحة .
2 ـ ان يستدل على علية أحد الاوصاف باطراده مع الحكم ، ولكن مجرد الاطراد لا يكفي لاثبات عليته له لاحتمال ان يكون الوصف من لوازمها غير المنفكة عنها ، فقد يلزم الخمر ـ على سبيل المثال ـ لون أو طعم يقترن به التحريم ، مع أن العلة مثلاً هي الشدة .
3 ـ ان يستدل على العلية بالاطراد والانعكاس معاً ، وهذا كسابقه لا يدل على أكثر من الاقتران بالحكم وهو اعم من كونه علة له أو ملازماً مساوياً لها يدور معها وجوداً وعدماً ، وزيادة العكس على الاطراد لا يدل على أكثر من هذا المعنى .
واعتبار هذه المسالك من المسالك الفاسدة صحيح جداً اذا أريد اعتبارها طرقاً لاثبات العلة على نحو الجزم واليقين .
أما اذا اكتفي منها بإفادة الظن فإنكار ذلك لا يخلو من مصادرة ، وهذه التشكيكات العقلية لا ترفع أكثر من اليقين ، ولا أقل من تحول النزاع فيها الى نزاع صغروي لا جدوى من تحريره .
والذي ينبغي ان يقال إن هذه المسالك كغيرها مما لا يفيد علماً من المسالك السابقة وبخاصة الاخير منها ، فإن قام عليها دليل بالخصوص كانت حجة ، وإلا فلا يمكن اعتمادها في ذلك .

حجية القياس :
والحديث حول حجية القياس متشعب جداً بتشعب أقوالهم وتباينها ، وطبيعة البحث تدعونا الى ان نقف منها موقفاً لا يخلو من صبر وأناة نظراً لما يعطيه البحث من ثمار في مجالات استنباط الاحكام نفياً وإيجاباً ، وعمدة أحاديث القياس هو هذا الحديث .
ويكفي ان يطلع الانسان على أية موسوعة أصولية ليعرف مدى التشعب والتباين في الاراء .
فالغزالي وغيره ، نسبوا الى الشيعة ـ بقول مطلق ـ وبعض المعتزلة القول باستحالة التعبد بالقياس عقلاً (48) ، كما نسب المقدسي ذلك الى أهل الظاهر والنظام وقال : " وقد أومأ إليه أحمد(رحمه الله) ، فقال : يجتنب المتكلم في الفقه هذين الاصلين : المجمل والقياس ، وتأوله القاضي على قياس يخالف به نصّاً " (49) .
" وقال قوم في مقابلتهم يجب التعبد به عقلاً " (50) .
وذهب آخرون الى أنه " لا حكم للعقل فيه بإحالة ولا إيجاب ، ولكنه في مظنّة الجواز ، ثم اختلفوا في وقوعه فأنكر أهل الظاهر وقوعه بل ادعوا حظر الشرع له " (51) .
ولكن بعض الشافعية أوجبوا التعبد به شرعاً ، وإن لم يوجبوه من وجهة عقلية (52) .
والذي عليه أئمة المذاهب السنية وغيرهم من أعلام السنة (53) ، هو الجواز العقلي ووقوع التعبد الشرعي به كما هو فحوى أدلتهم التي سنعرضها ، وإن كان في استدلال بعضهم ما يوجبه عقلاً لو تمت أدلته العقلية .
ومن هذا العرض الموجز ، تدركون مدى اختلاف العلماء في نسبة بعض الاراء الى أصحابها ; فالمقدسي يعتبر أهل الظاهر من محيلي القياس عقلاً ، بينما يعتبرهم الغزالي من مجوزيه عقلاً ومانعيه شرعاً .
وربما كان سرّ اختلاف النسبة ، هو وقوف كل منهما على ما نسب اليهم من أدلة يشعر بعضها بالاحالة العقلية وبعضها بالحظر الشرعي ، فاستند الى ما وقف عليه ، وهذه الادلة ـ مجتمعة ـ معروضة في كتاب ابن حزم ( ملخص إبطال القياس والرأي والاستحسان والتقليد والتعليل ) ومقدمة كتابه ( المحلّى ) .
والشيء الذي لم أجده من هذه النسب ـ في حدود تتبعي ـ هو نسبة الاحالة العقلية ـ بقول مطلق ـ الى الشيعة ، وربما وجدوه في بعض كتب الاصول الشيعية كرأي لصاحب الكتاب ، فاعتبروه رأي مذهب بأجمعه .
ومن الاخطاء التي تكررت على ألسنة كثير من الباحثين هو نسبة رأي الى مجموع الشيعة لمجرد عثورهم على ذهاب مجتهد من مجتهديهم اليه ، ناسين أن الشيعة قد فتحوا على أنفسهم أبواب الاجتهاد فأصبح كل مجتهد له رأيه الخاص ولا يتحمل الاخرون تبعته .
نعم ، ما كان من ضروريات مذهبهم فإن الجميع يؤمنون به .
والشيء الذي لا أشكّ فيه ، هو ان المنع عن العمل بقسم من أقسام القياس يعد من ضروريات مذهبهم لتواتر أخبار أهل البيت في الردع عن العمل به (54) ، لا ان العقل هو الذي يمنع التعبّد به ويحيله ، ولذلك احتاجوا الى بذل جهد في توجيه ترك العمل به مع افادته للظن على تقدير تمامية مقدمات دليل الانسداد المقتضية للعمل
بمطلق الظن ، وسيأتي انها غير تامة ; فلو كانوا يؤمنون بالاحالة العقلية في العمل به لما احتاجوا الى ذلك التوجيه (55).
وعلى أي فإن حجية القياس وعدمها تعود إلى ثلاثة أقوال رئيسة :
1 ـ قول بالاحالة العقلية .
2 ـ قول بالوجوب العقلي .
3 ـ قول بالامكان ، وهو ذو شقين إمكان مع القول بالوقوع ، والقول بعدمه ، فلا بد من التماس هذه الاقوال واستعراض أدلتها ، وبيان أوجه المفارقة فيها لو كانت .

الاحالة العقلية وأدلتها :
والذين ذهبوا الى هذا القول لا تختص أدلتهم بالقياس ، بل تعم جميع الطرق والامارات الظنية لوحدة الملاك فيها .
وأهم ما يمكن ان يستدل لهم به ما سبق عرضه من الشبه حول جعل الاحكام الظاهرية من لزوم اجتماع المثلين أو النقيضين ، وقد سبق الجواب عليها في تقسيمات الحكم من هذا الكتاب (56) .
ولكن الامدي صور إشكالهم بصورة أخرى ، ودفعه على مبناه في التصويب ، يقول : " اذا اختلفت الاقيسة في نظر المجتهدين فإما أن يقال بأن كل مجتهد مصيب فيلزم منه ان يكون الشيء ونقيضه حقاً وهو محال ، وإما ان يقال بأن المصيب واحد وهو أيضاً محال فانه ليس تصويب أحد الظنين ، مع استوائهما دون الاخر أولى من العكس " (57) .
ثم دفع هذا الاشكال على مبناه في التصويب ، ورفع التناقض باختلاف الموضوع ، لان موضوع أحد الحكمين هو ظن أحد المجتهدين ، وموضوع الحكم الاخر هو ظن المجتهد الثاني ، ومع اختلاف الموضوع لا تناقض لاشتراطهم في امتناع اجتماع النقيضين وحدة الموضوع بالاضافة الى الوحدات الاخر (58) .
وهذا الجواب صحيح بناء على صحة القول بالتصويب ، وستأتي مناقشتنا لهذا المبنى في مبحث الاجتهاد والتقليد ، أما على مبنى المخطئة القائلين بأن الاحكام تابعة لواقعها التي قد يصيبها أحد القائسين وقد لا يصيبها ، كما اذا كانت العلة في واقعها غير ما انتهينا اليها فإن الاشكال يحتاج الى جواب .
وأظن أن الجواب يتضح مما انتهينا اليه من إنكار جعل الاحكام الظاهرية ، وأن المجعول فيها ليس هو إلا المعذرية أو المنجزية ، ولا علاقة لها بإصابة الواقع وعدمها ليسلم لهم هذا الترديد ، وعلى فرض جعل الاحكام الظاهرية فهي مجعولة في طول الاحكام الواقعية ، ولا تدافع بينهما كما سبق إيضاحه في هذا الكتاب (59) .
واذا استثنينا من أدلتهم هذا الدليل ، فإن أكثرها لا يستحق ان يعرض ويجاب عليه .

الوجوب العقلي وأدلته :
أما الموجبون له عقلاً فأدلتهم ـ لو تمت ـ فهي لا تشخص القياس ولا تعينه ، وسيأتي عرضها عند الاستدلال على حجية القياس من طريق العقل ، وإنما تشمل جميع الظنون ، وربما كان مفادها أقرب الى مفاد أدلة انسداد باب العلم .

أدلة الامكان والوقوع :
والذي يستحق ان يطال فيه الكلام ، هو القول الثالث لما له من أهمية تشريعية واسعة ، والتحقيق فيه ان يقال : إن القياس في حدود ما انتهينا اليه من تعريفه وأنه ( مساواة محل لاخر في علة حكمه ) لا يقتضي ان يكون موضعاً لحديث حول حجيته وصحة استنباط الحكم الفرعي الكلي منه ، لان العلة التي أخذت في لسان الدليل إن أريد بها العلة الواقعية التامة للحكم ، استحال تخلف معلولها عنها في الفرع لاستحالة تخلف المعلول عن العلة ، وإن أريد بها الوصف الظاهر المنضبط المناسب غير القاصر الذي أناط به الشارع حكمه وجعله أمارة عليه ، استحال تخلف الحكم في الفرع عنه أيضاً وإلا للزم الخلف لان معنى إناطته به وجوداً وعدماً عدم تخلفه عنه ; فإذا فرض إمكان التخلف ـ كما هو مفاد عدم الحجية ـ كان معناه عدم الاناطة ، وهو خلاف الفرض .
ولكن موضع الشبهة ومواقع التأمل إنما هو في استنباط الحكم من هذا الدليل لا في أصله ـ فيما نعتقد ـ وإن بدا التشكيك على ألسنة الكثير في ثبوت الحجية له نفسه ، والظاهر أن ذلك ناشئ إما من عدم تحديد مفهوم القياس ، أو من الخلط بين الدليل وعملية الاستنباط منه .
وعملية الاستنباط هذه موقوفة على تمامية مقدمتين :
أولاهما : معرفة العلة التي أناط بها الشارع حكمه في الاصل .
وثانيهما : معرفة توفرها في الفرع بكل شرائطها وقيودها ; وكلتا المقدمتين موقوفة على حجية الطرق والمسالك اليهما ، ومع إثبات الحجية لها وثبوت العلة بها فلا بد من استنباط حكم الفرع وإثباته بها .
ومسالك العلة التي سبق عرضها ، تنقسم الى قسمين : قطعية ، وغير قطعية ; وغير القطعية تنقسم الى قسمين : ما قام على اعتبارها دليل قطعي ، وما لم يقم .
وعلى هذا فالاقسام المتصورة ثلاثة :
1 ـ المسالك المقطوعة .
2 ـ المسالك غير المقطوعة ، ولكن قام عليها دليل قطعي .
3 ـ المسالك غير المقطوعة مع عدم قيام الدليل القطعي عليها .
ولكل منها حديث يقتضينا استيفاؤه بكل ما يتصل به نظراً لما يترتب عليه من ثمرات .


Share this post
  • Share to Facebook
  • Share to Twitter
  • Share to Google+
  • Share to Stumble Upon
  • Share to Evernote
  • Share to Blogger
  • Share to Email
  • Share to Yahoo Messenger
  • More...

1 comments

:) :-) :)) =)) :( :-( :(( :d :-d @-) :p :o :>) (o) [-( :-? (p) :-s (m) 8-) :-t :-b b-( :-# =p~ :-$ (b) (f) x-) (k) (h) (c) cheer

 
© ISLAMIC WORLD
Designed by AL.YEASA ,ISLAMIC UNIVERSITY. EMAIL.aleasa.iuk@gmail.com
https://www.facebook.com/ALEASAIUK .
Posts RSSComments RSS
Back to top