Blogger news

Friday, January 27, 2012

ختم النبيين والإمامة والإمام بعد النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل السنة قسم الدعوة والدراسات الاسلامية-الجامعة الاسلامية


 ختم النبيين والإمامة والإمام بعد النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل السنة

ختم الرسالات ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم
لقد ختم الله سبحانه وتعالى النبوة بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم :
قال تعالى : { مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ } .وقال صلى الله عليه وسلم : ( أنا خاتم النبيين؛ لا نبي بعدي ) .
وذلك يستلزم ختم المرسلين؛ إذ ختم الأعم يستلزم ختم الأخص .
ومعنى ختم النبوة بنبوته عليه الصلاة والسلام : أنه لا تبدأ نبوة ولا تشرع شريعة بعد نبوته وشرعته .
وأما نزول عيسى في آخر الزمان؛ فلا ينافي ذلك؛ لأن عيسى عليه السلام إذا نزل إنما يتعبد بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم دون شريعته المتقدمة؛ لأنها منسوخة، فلا يتعبد إلا بهذه الشريعة أصولا وفروعا، فيكون خليفة لنبينا صلى الله عليه وسلم، وحاكما من حكام ملته بين أمته .
فهذا النبي الخاتم للأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين قد بعث بخير كتاب وأتم شريعة وأفضل ملة وأكمل دين، جاء بشريعة كافية لحاجة الخليقة في كل زمان ومكان إلى أن تقوم الساعة، وكمل به عقد النبيين؛ فلا نبي بعده .
وفي " الصحيحين " وغيرهما من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه قال : ( مثلي ومثل الأنبياء من بعدي كمثل رجل بنى دارا فأكملها وأحسنها؛ إلا موضع لبنة، فجعل الناس يدخلون ويعجبون منها ويقولون لولا موضع لبنة ) . زاد مسلم : ( فجئت فختمت الأنبياء ) .
وفي " الصحيحين " أيضا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . . . معناه، وفيه : ( فجعل الناس يطوفون به ويقولون هلا وضعت اللبنة؛ فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين ) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي؛ خَلَفَهُ نبي، وإنه لا نبي بعدي، وسيكون خلفاء ) . رواه البخاري.
وعن جابر بن سمرة؛ قال : " رأيت خاتما في ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه بيضة حمام " . رواه مسلم .
قال الحافظ في " الفتح " : " قال القرطبي : اتفقت الأحاديث الثابتة على أن خاتم النبوة كان شيئا بارزا أحمر عند كتفه الأيسر قدره إذا قلل قدر بيضة الحمامة، وإذا كبر جمع اليد (1) ، والله أعلم .
قال العلماء : " السر في ذلك أن القلب في تلك الجهة :
قال السهيلي : وضع خاتم النبوة عند كتفه صلى الله عليه وسلم لأنه معصوم من وسوسة الشيطان، وذلك الموضع يدخل منه الشيطان .
وقال الحافظ ابن كثير : فمن رحمة الله تعالى بالعباد إرسال محمد صلى الله عليه وسلم إليهم، ثم من تشريفه لهم ختم الأنبياء والمرسلين به، وإكمال الدين الحنيف له، وقد أخبر الله تبارك وتعالى في كتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم في السنة المتواترة عنه : أنه لا نبي بعده؛ ليعلموا أن كل من ادعى هذا المقام بعده؛ فهو كذاب أفاك دجال ضال مضل، ولو تخرف وشعبذ وأتى بأنواع السحر والطلاسم والنيرنجيات؛ فكلها محال وضلال عند أولي الألباب؛ كما أجرى الله تعالى على يد الأسود العنسي باليمن ومسيلمة الكذاب باليمامة من الأحوال الفاسدة والأقوال الباردة ما علم كل ذي لب وفهم وحجى أنهما كاذبان ضالان لعنهما الله . . . وكذلك كل مدع لذلك إلى يوم القيامة، حتى يختموا بالمسيح الدجال؛ فكل واحد من هؤلاء الكذابين يخلق الله معه من الأمور ما يشهد العلماء والمؤمنون بكذب من جاء بها، وهذا من تمام لطف الله تعالى بخلقه؛ فإنهم بضرورة الواقع- أي الكذابون- لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر إلا على سبيل الاتقاء، أو لما لهم فيه من المقاصد إلى غيره، ويكونون في غاية الإفك والفجور في أقوالهم وأفعالهم؛ كما قال تعالى : { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } .
وهذا بخلاف حال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ فإنهم في غاية الصدق والرشد والاستقامة والعدل فيما يقولونه ويأمرون به وينهون عنه، مع ما يؤيدون به من الخوارق للعادات والأدلة الواضحات والبراهين الباهرات؛ فصلوات الله وسلامه عليهم دائما مستمرا ما دامت الأرض والسماوات .
وليس الناس بحاجة إلى بعثة نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم لكمال شريعته ووفائها بحاجة البشرية .
وماذا عسى أن يقتضي بعثة نبي جديد بعد محمد صلى الله عليه وسلم ؟
وإن قيل : إن الأمة قد فسدت؛ فالعمل على إصلاحها يحتاج إلى بعثة نبي جديد .
قلنا : هل بعث نبي في الدنيا لمجرد الإصلاح حتى يبعث في هذا الزمان لمجرد هذا الغرض ؟ ! إن النبي لا يبعث إلا ليوحى إليه، ولا تكون الحاجة إلى الوحي إلا لتبليغ رسالة جديدة أو إكمال رسالة متقدمة أو لتطهيرها من شوائب التحريف والتبديل، فلما قضت كل هذه الحاجات إلى الوحي بحفظ القرآن وسنة محمد صلى الله عليه وسلم وإكمال الدين على يده صلى الله عليه وسلم؛ لم تبق الحاجة الآن إلى الأنبياء، وإنما هي إلى المصلحين . . . " اهـ . بتصرف يسير من الرد على القاديانية .
وقد أعلن الله ختم النبوات والرسالات بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم في قوله : { مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا } .
ومن البديهي الذي لا يقبل الاعتراض أن استمرار بقاء القرآن الحاوي بشرائعه وأحكامه أسس مطالب البشر التشريعية كلها محفوظا كما أنزل على محمد مع استمرار بقاء سيرة الرسول وسنته المبينة لمعاني القرآن صحيحة ثابتة هو بمثابة استمرار وجود الرسول فينا على قيد الحياة؛ قال تعالى : { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ } ، والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول بعد وفاته هو الرد إلى سنته، وبذلك فقد أصبح العالم بغنية عن بعث أنبياء وإرسال رسل وتجديد شرائع للناس بعد محمد صلوات الله وسلامه عليه؛ لأنه لو بعث الله رسلا وأنبياء؛ فلن يحدثوا شيئا ولن يزيدوا على ما جاء به الرسول محمد من أسس في العقيدة أو في التشريع؛ فقد أكمل الله الدين وأتم الشريعة؛ حيث يقول : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } ، وإن كان الغرض من إرسال الرسل هو نشر هذه الرسالة ودعوة الناس إليها؛ فهذه وظيفة علماء المسلمين؛ فعليهم أن يقوموا بتبليغ هذه الدعوة للناس .
فمن ادعى عدم ختم النبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم، أو صدق من يدعي ذلك؛ فهو مرتد عن دين الإسلام .
ولهذا حكم الصحابة على من ادعى النبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم بالردة، وقاتلوه هو وأتباعه، وسموهم بالمرتدين، وهذا ما أجمع عليه علماء المسلمين سلفا وخلفا .
الحكمة في ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم
وكانت نبوة محمد صلى الله عليه وسلم خاتمة للنبوات؛ لأنه بعث إلى الناس كافة إلى أن تقوم الساعة؛ كما قال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا } ، { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } ، { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا } ، { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } .
وإذا كانت رسالته عامة للناس؛ فلا بد أن تكون شريعته كاملة شاملة لمصالح البشر، لا يحتاج معها إلى شريعة أخرى وبعثة نبي آخر؛ كما قال تعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } ، وقال تعالى : { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكَتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } ، وقال تعالى : { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } .
قال الشيخ أبو الأعلى المودودي في رده على القاديانية : " ونحن إذا تتبعناه- أي : القرآن- بغية أن نعرف الأسباب التي لأجلها ظهرت الحاجة إلى إرسال نبي في أمة من أمم الأرض؛ علمنا أن هذه الأسباب أربعة :
1- كانت هذه الأمة ما جاءها من الله نبي من قبل، ولا كان لتعاليم نبي مبعوث في أمة غيرها أن تصل إليها .
2- كان قد أرسل إليها نبي من قبل، ولكن كان تعليمه قد انمحى أو لعبت به يد النسيان أو التحريف حتى لم يعد بإمكان الناس أن يتبعوه اتباعا كاملا صحيحا .
3- كان قد أرسل إليها نبي من قبل، ولكن تعاليمه ما كانت شاملة لمن يأتي بعده وافية لمتطلبات عصرهم، فألحت الحاجة إلى المزيد من الأنبياء لإكمال الدين .
4- كان قد أرسل إليها نبي، ولكن كانت الحاجة تقتضي أن يرسل معه نبي آخر لتصديقه وتأييده .
وكل سبب من هذه الأسباب الأربعة قد زال بعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ فلا حاجة للأمة الإسلامية ولا لأية أمة أخرى في العالم إلى أن يرسل إليها نبي جديد بعد محمد صلى الله عليه وسلم .
وقد تولى القرآن بنفسه بيان أن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة ولهداية الناس عامة؛ قال تعالى : { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } .
وأيضا؛ مما يدل عليه تاريخ الحضارة في الدنيا أن الظروف في العالم ما زالت منذ بعثته صلى الله عليه وسلم ولا تزال مهيأة بحيث من الممكن أن تصل دعوته إلى كل صقع من أصقاع العالم، وإلى كل أمة من أممه؛ فلا حاجة بعد ذلك إلى نبي جديد إلى أمة من أمم الدنيا أو صقع من أصقاعها؛ فبذلك قد زال السبب الأول .
ومما يشهد به القرآن كذلك وتؤيده عليه ذخيرة كتب الحديث والسيرة أن التعليم الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم لا يزال حيا محفوظا على صورته الحقيقية ولم تلعب به يد النسيان ولا التحريف والتبديل .
أما الكتاب الذي جاء به؛ فما وقع التحريف ولا النقص ولا الزيادة في أي حرف من أحرفه، ولا من الممكن أن يقع إلى يوم القيامة .
وأما الهداية التي أعطاها للناس بأقواله وأفعاله؛ فإننا نجد آثارها حتى اليوم حية مصونة، كأننا أمام شخصه صلى الله عليه وسلم وفي زمانه؛ فبذلك قد زال السبب الثاني .
ثم إن القرآن ليصرح كذلك بأن الله تعالى قد أكمل دينه بواسطة محمد صلى الله عليه وسلم؛ فبذلك قد زال السبب الثالث أيضا .
ثم إن الحاجة لو كانت تقتضي إرسال نبي مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم لتأييده وتصديقه؛ لأرسل في زمانه صلى الله عليه وسلم؛ فبذلك قد زال السبب الرابع أيضا . . .
فأي سبب خاص من بعد زوال هذه الأسباب الأربعة . . . " انتهى المقصود من كلامه .


الإمامة والإمام بعد النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل السنة
حكم الإمامة عند أهل السنة:
خاتم الأنبياء، ومعنى (خاتم) الذي لا يأتي بعده نبي، وختام الشيء هو: الذي يُجعل عليه حتى لا يزاد عليه ولا ينقص منه، فالله ختم الرسالات بمحمد صلى الله عليه وسلم، قال جل في علاه: (ما كان محمداً أباً أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين) [الأحزاب:40]، فلا حاجة لمجيء نبي بعده؛ لأن القرآن موجود، والسنة النبوية موجودة، والعلماء الربانيون موجودون، يدعون إلى الله ويبصرون الناس؛ فدين محمد باقٍ إلى قيام الساعة لا يبدل ولا ينسخ ولا يغير ؛ لأن الله سبحانه جعله صالحاً لكل زمان ولكل مكان، أما شرائع الأنبياء السابقين فتكون مؤقتة لأممهم في فترة من الفترات، ثم ينسخ الله تلك الشريعة بشريعة أخرى تتناسب مع الأمة الأخرى (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً) [المائدة:48]. كما قال تعالى: (لكل أجل كتاب) أي لكل كتاب أجل.
فدين الإسلام كامل لا يحتاج بعد محمد صلى الله عليه وسلم إلى رسول، والعلماء ورثة الأنبياء، فمن اعتقد أنه يأتي بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبي فهو كافر بالله خارج من الملة، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يأتي كذبة يدعون النبوة من بعده، قال عليه الصلاة والسلام: "سيأتي بعدي كذابون ثلاثون، كلهم يدعي أنه نبي، وأنا خاتم الأنبياء لا نبي بعدي"(1) .
فمن ادعى النبوة أو ادعيت له النبوة ومن اتبعهم، فكلهم كفرة، وقد قاتلهم المسلمون وكفّروهم، وآخر من ادعى النبوة في الوقت الحاضر: القادياني الباكستاني الذي ادّعى النبوة له أتباعه القاديانية، ويُسمون بالأحمدية نسبة إلى اسمه؛ لأن اسمه أحمد القادياني، وقد كفره العلماء وطردوه من البلاد الإسلامية، وكفَّروا أتباعه؛ لأن هذا تكذيب لله ولرسوله، وتكفيرهم بإجماع المسلمين، لم يخالف في هذا أحد.
فلابد للمسلم أن يعتقد أنه عليه الصلاة والسلام خاتم الأنبياء والمرسلين، وإمام الأتقياء؛ يعني القدوة الوحيد للأتقياء الذين يتقون الله عز وجل: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر) [الأحزاب:21]
أجمع عامة المسلمين على وجوب نصب إمام للأمة يقيم لهم أحكام شرع الله ولم يخالف هذا الإجماع إلا النجدات من الخوارج والأصم والفوطي من المعتزلة.
قال أبو محمد بن حزم: "اتفق جميع أهل السنة وجميع المرجئة وجميع الشيعة وجميع الخوارج على وجوب الإمامة وأن الأمة واجب عليها الانقياد لإمام عادل يقيم فيهم أحكام الله ويسوسهم بأحكام الشريعة التي أتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم حاشا النجدات من الخوارج فإنهم قالو: لا يلزم الناس فرض الإمامة وإنما عليهم أن يتعاطوا الحق بينهم وهذه فرقة ما نرى بقي منهم أحد وهم المنسوبون إلى نجدة بن عمير الحنفي القائم باليمامة".
فأهل السنة والجماعة مذهبهم أن نصب الإمام الأعظم واجب بنص الشرع الحنيف لتجتمع به كلمة المسلمين وتنفذ به أحكام الشريعة وهذا المذهب هو المذهب الحق المؤيد بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة والإجماع فأما دلالة الكتاب على وجوبها فمن ذلك:
1-   قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}.
وجه دلالة الآية أن أهل العلم اعتبروها أصلاً في وجوب نصب الإمام ليفصل بين الناس فيما اختلفوا فيه ويقطع التنازع وينتصر لمظلومهم من ظالميهم ويقيم الحدود ويزجر عن تعاطي الفواحش إلى غير ذلك من الأمور المهمة التي لا يمكن إقامتها إلا بالإمام.
2- قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ }.
وفي هذه الآية أوجب الله تعالى على عباده المؤمنين طاعته وطاعة رسوله وأولي الأمر منهم والمراد بأولي الأمر هم الأمراء والولاة.
3- قال تعالى: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} 4.
وهذه الآية فيها إرشاد وتعليم من الباري ـ جل وعلا ـ لعباده المؤمنين أنه لا بد من خليفة يقوم بالحكم بما أنزل الله بين عباده لتصلح به البلاد والعباد.
والآيات الدالة على وجوب نصب الإمام كثيرة جداً فما من آية أنزلها الله على رسوله بتشريع حكم من الأحكام والتي لها علاقة بموضوع الإمامة وشئونها إنما هي تأكيد جازم على إيجاد الإمامة الشرعية في المجتمع المسلم لأن وجود ولي الأمر من
وأما دلالة السنة على وجوب نصب الإمام الأعظم فقد ورد ذلك في أحاديث كثيرة منها:
1- روى الإمام أحمد وغيره عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت لها الأعين ووجلت منها القلوب قلنا أو قالوا: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فأوصنا قال: "أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبداً حبشياً فإنه من يعيش منكم يرى بعدي اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين فتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ"( المسند 4/127، سنن أبي داود 2/506، سنن الترمذي 4/150، سنن ابن ماجة 1/15-16).
فقد بين عليه الصلاة والسلام أنه سيكون من بعده خلفاء راشدون يخلفونه في أمته ويسيرون على نهجه في سياسة الأمة بالكتاب والسنة وحث الناس على التمسك بسنته وسنة الخلفاء الراشدين من بعده وفي هذا بيان أنه لا بد للناس من إمام يرجع إليه في إقامة الحدود وقطع التنازع والاختلاف.
2- وروى الإمام مسلم في صحيحه بإسناده:
عن نافع مولى ابن عمر قال: جاء عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مطيع حين كان من أمر الحرة ما كان زمن يزيد بن معاوية فقال: اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة فقال: إني لم آتك لأجلس أتيتك لأحدثك حديثاً سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهية". (صحيح مسلم 3/1478)
فقد بين عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث أن البيعة فريضة في عنق كل مسلم للإمام الحق الذي تجتمع عليه كلمة المسلمين وما دامت البيعة واجبة على كل مسلم فإن هذا الواجب لا يتأتى أداؤه إلا بنصب الإمام الذي يرجع إليه في تنفيذ أحكام الشريعة وحسم التنازع والاختلاف الذي يحصل بين الناس فالحديث دلالته واضحة على وجوب نصب الإمام بالشرع لا بالعقل.
3- وروى الشيخان في صحيحيهما عن أبي حازم قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين فسمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كانت بو إسرائيل تسوسهم 4 الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي وستكون خلفاء فت كثر" قالوا: فما تأمرنا؟ قال: "فوا ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم" صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 6/495، صحيح مسلم 3/1471-1472.
هذا الحديث فيه إشارة إلى أنه لا بد للرعية من قائم بأمورها يحملها على الطريق الحسنة وينصف المظلوم من الظالم.
4- روى الإمام أحمد بإسناده إلى عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث طويل: "ولا يحل لثلاثة نفر يكونون بأرض فلاة إلا أمروا عليهم أحدهم.." (المسند 2/176-177. )
5- وعند أبي داود من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم" (سنن أبي داود 2/34)
وأما دلالة الإجماع على وجوب نصب الإمام:
فقد أجمعت الأمة على أنه لا بد من نصب الإمام الأعظم للأمة ليرجع إليه في شئون العباد وقد نقل الإجماع بعض أهل العلم.
فقد روى الماوردي: "وعقدها ـ أي الإمامة ـ لمن يقوم بها واجب بالإجماع وإن شذ عنهم الأصم"
 وقال البغوي رحمه الله: "واتفقت الأمة من أهل السنة والجماعة على أن الاستخلاف سنة وطاعة الخليفة واجبة إلا الخوارج المارقة الذين شقوا العصا وخلعوا ربقة الطاعة".
وقال القرطبي رحمه الله تعالى: "وأجمعت الصحابة على تقديم الصديق بعد اختلاف وقع بين المهاجرين والأنصار في سقيفة بني ساعدة في التعيين حتى قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير فدفعهم أبو بكر وعمر والمهاجرون عن ذلك وقالوا لهم: إن العرب لا تدين إلا لهذا الحي من قريش ورووا لهم الخبر في ذلك فرجعوا وأطاعوا لقريش فلو كان فرض الإمامة غير واجب لا في قريش ولا في غيرهم لما ساغت هذه المناظرة والمحاورة عليها ولقال قائل: إنها ليست بواجبة لا في قريش ولا في غيرهم فما لتنازعكم وجه ولا فائدة في أمر ليس بواجب ثم إن الصديق رضي الله عنه لما حضرته الوفاة عهد إلى عمر في الإمامة ولم يقل له أحد: هذا أمر غير واجب علينا ولا عليك فدل على وجوبها وأنها ركن من أركان الدين الذي به قوام المسلمين والحمد لله رب العالمين".
وقال النووي رحمه الله: "وأجمعوا على أنه يجب على المسلمين نصب خليفة ووجوبه بالشرع لا بالعقل"4 وقال عبد الرحمن أن خلدون: "نصب الإمام واجب وقد عرف وجوبه بالشرع بإجماع الصحابة والتابعين لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاته بادروا إلى بيعة أبي بكر رضي الله عنه وتسليم النظر إليه في أمورهم وكذلك في كل عصر من الأعصار واستقر ذلك إجماعاً دالاً على وجوب نصب الإمام".
ومما تقدم تبين أن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على أن نصب الإمام بعد انقراض زمن النبوة واجب بل جعلوه رضي الله عنهم من أهم الواجبات حيث اشتغلوا به عن دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلافهم رضي الله عنهم في التعيين لا تأثير له على الإجماع المذكور.
الإمام بعد النبي صلى الله عليه وسلم
الإمام بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر رضي الله عنه عقيدة أهل السنة والجماعة في ترتيب الخلفاء الأربعة في الإمامة كترتيبهم في الفضل فالإمام بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق، ثم عمر الفاروق، ثم عثمان ذو النورين ثم أبو السبطين علي رضي الله عنهم أجمعين فأهل الحق يعتقدون اعتقاداً جازماً لا مرية فيه ولا شك أن أولى الناس بالإمامة والأحق بها بعد النبي صلى الله عليه وسلم هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه روى أبو عمر بن عبد البر بإسناده إلى عباد السماك قال: سمعت سفيان الثوري يقول: الأئمة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز وما سوى ذلك فهم منتزون".
قال أبو عمر: "قد روي عن مالك وطائفة نحو قول سفيان هذا وتأبى جماعة من أهل العلم أن تفضل عمر بن عبد العزيز على معاوية لمكان صحبته".
وروى بإسناده إلى أبي نوبة قال: سمعت أبا إسحاق الفزاري وعبد الله بن المبارك وعيسى بن يونس ومخلد بن الحسين يقولون: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي" وروى أيضاً بإسناده إلى الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي محمد بن إدريس يقول: أقول في الخلافة والتفضيل بأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم".
Share this post
  • Share to Facebook
  • Share to Twitter
  • Share to Google+
  • Share to Stumble Upon
  • Share to Evernote
  • Share to Blogger
  • Share to Email
  • Share to Yahoo Messenger
  • More...

0 comments

:) :-) :)) =)) :( :-( :(( :d :-d @-) :p :o :>) (o) [-( :-? (p) :-s (m) 8-) :-t :-b b-( :-# =p~ :-$ (b) (f) x-) (k) (h) (c) cheer

 
© ISLAMIC WORLD
Designed by AL.YEASA ,ISLAMIC UNIVERSITY. EMAIL.aleasa.iuk@gmail.com
https://www.facebook.com/ALEASAIUK .
Posts RSSComments RSS
Back to top