أصول الإيمان في
ضوء الكتاب والسنة - (ج 1 / ص 326)
الجنة والنار ،
صفتهما وكيفية الإيمان بهما وأدلة ذلك :
مما يجب اعتقاده
والإيمان به الجنة والنار .
أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة - (ج 1 / ص 327)
والجنة هي دار الثواب لمن أطاع الله وموضعها في السماء السابعة عند سدرة المنتهى
. قال تعالى : { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى }{ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى
}{ عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى } (النجم : 13-15) ، والجنة مائة درجة بين كل درجة
والأخرى كما بين السماء والأرض كما جاء في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة عن رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم أنه قال : « إن في الجنة مائة درجة أعدها الله
للمجاهدين في سبيل الله ، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض » (1) . وأعلى الجنة الفردوس الأعلى وفوقه العرش ومنه تتفجر أنهار
الجنة كما جاء في حديث أبي هريرة السابق عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « فإذا
سألتم الله فسلوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة » . وللجنة ثمانية أبواب
كما جاء في حديث سهل بن سعد رضي الله عنه في صحيح البخاري عن النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلِّم أنه قال : « في الجنة ثمانية أبواب فيها باب يسمى الريان لا يدخله
إلا الصائمون » (2) ، وقد أعد الله لأهل الجنة فيها من النعيم ما لا عين رأت ولا أذن
سمعت ولا خطر على قلب بشر .
_________
(1) صحيح البخاري برقم (2790) .
(2) صحيح البخاري برقم (3257) .
أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة - (ج 1 / ص 328)
وأما النار فهي دار العقاب الأبدي للكافرين والمشركين والمنافقين النفاق الاعتقادي
، ولمن شاء الله من عصاة الموحدين بقدر ذنوبهم ثم مآلهم إلى الجنة . كما قال تعالى
: { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ
يَشَاءُ } (النساء : 48) وموضعها في الأرض السابعة كذا نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما
. وللنار دركات بعضها أسفل من بعض ، قال عبد الرحمن بن أسلم : ( درجات الجنة تذهب علوا
ودرجات النار تذهب سفولا ، وأسفل الدركات هي دار المنافقين كما قال تعالى : { إِنَّ
الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ } . . . الآية (النساء :
145) ، وللنار سبعة أبواب ، قال تعالى : { لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ
مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ } (الحجرِ : 44) ، ونار الدنيا جزء من سبعين جزءا من نار
جهنم على ما جاء في حديث أبي هريرة الذيَ أخرجه الشيخان عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلِّم قال : « ناركم جزء من سبعين جزءا من نار جهنم » (1) .
والإيمان بالجنة والنار يتحقق بثلاثة أمور :
_________
(1)
صحيح البخاري
برقم (3265) ، وصحيح مسلم برقم (871) .
أصول الإيمان في ضوء الكتاب
والسنة - (ج 1 / ص 329)
الأول : الاعتقاد الجازم
بأنهما حق وأن الجنة دار المتقين والنار دار الكافرين والمنافقين . قال تعالى : { إِنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ
بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا
حَكِيمًا }{ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا } (النساء : 56 ،
57) .
الثاني : اعتقاد وجودهما
الآن . قال تعالى في الجنة . { أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } (آل عمران : 133) ، وقال
تعالى في النار : { أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } (البقرة : 24) ، وجاء في الصحيحين من
حديث عمران بن حصين عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم أنه قال : « اطلعت في
الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء ، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء » (1)
.
_________
(1)
صحيح البخاري
برقم (3241) ، وصحيح مسلم برقم (2738) مختصرا بمعناه ، واللفظ للبخاري .
أصول الإيمان في ضوء الكتاب
والسنة - (ج 1 / ص 330)
الثالث : اعتقاد دوامهما
وبقائهما وأنهما لا تفنيان ولا يفنى من فيهما . قال تعالى في الجنة : { خَالِدِينَ
فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } (النساء : 13) ، وقال تعالى عن النار : { وَمَنْ
يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا
} (الجن : 23) . والمقصود من المعصية هنا الكفر ، لتأكيد الخلود في النار بالتأبيد
، قال القرطبي قوله (أبدا) دليل على أن العصيان هنا هو الشرك (1) . وروى الشيخان من
حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم
قال : « يدخل الله أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، ثم يقوم مؤذن بينهم فيقول
: يا أهل الجنة لا موت ويا أهل النار لا موت كل خالد فيما هو فيه » (2) .
ثمرات الإيمان باليوم الآخر
:
وللإيمان باليوم الآخر ثمرات
عظيمة في حياة المؤمن من أهمها :
1- الحرص على طاعة الله
رغبة في ثواب ذلك اليوم والبعد عن معصيته خوفا من عقاب ذلك اليوم .
2- تسلية المؤمن عما يفوته
من نعيم الدنيا ومتاعها بما يرجوه من نعيم الآخرة وثوابها .
3- استشعار كمال عدل الله
تعالى حيث يجازي كلا بعمله مع رحمته بعباده .
_________
(1) القرطبي 19 / 27 ، وفتح
القدير 5 / 307 .
(2) صحيح البخاري برقم
(6544) ، وصحيح مسلم برقم (2850) ، واللفظ لمسلم .
اعتقاد أهل السنة شرح أصحاب
الحديث - (1 / 160)
( الجنة والنار مخلوقتان
لا تفنيان )
* ويقرون أن الجنة والنار
مخلوقتان .
الشرح :
يرى أهل السنة أن الجنة
والنار مخلوقتان كائنتان في الحاضر ، وهذا ما قرره شيخ الإسلام أبو عثمان إسماعيل الصابوني
في كتابه عقيدة السلف أصحاب الحديث [ ص ( 66 ) ] حيث قال : ( ويشهدون - أهل السنة
- ويعتقدون أن الجنة والنار مخلوقتان وأنهما باقيتان لا تفنيان أبدا ، ويؤمر بالموت
فيذبح على سور بين الجنة والنار ، وينادي منادٍ يومئذ " يا أهل الجنة خلود ولا
موت ، ويا أهل النار خلود ولا موت " على ما ورد به الخبر الصحيح عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم ) .
وقد عقد الإمام الحافظ الأصبهاني
التيمي في كتابه الحجة [ ( 1 / 471 ) ] في الرد على الجهمية الذين يقولون إن الجنة
والنار لم تُخلقا ، وأورد فيه الأدلة من الكتاب والسنة لبيان بطلان مذاهب الجهمية واختار
دليلا واحدا من كل منهما .
اعتقاد أهل السنة شرح أصحاب
الحديث - (1 / 161)
أما الكتاب فقال تعالى
: { النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا } [ سورة غافر ، الآية :
46 ] ، أما من السنة فقد روي بسنده إلى عمران بن حصين رضي الله عنه قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : « اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء ، واطلعت في
النار فرأيت أكثر أهلها النساء » (البخاري ( 6 / 366 ) ح 3241 في بدء الخلق ، باب ما
جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة ، من حديث أبي رجاء عن عمران مرفوعا .)
وقد أنكرت الجهمية وطوائف
من المعتزلة خلق الجنة والنار وأنهما موجودتان لأن خلقها الآن عبث لا فائدة عنه والله
تعالى منزه عن العبث . [ انظر : شرح الطحاوية ( 476 ) ، والموافق ( 377 ) ، وأصول الدين
للبغدادي ( 237 ) ] .
" والمعد لا يكون إلا موجوداً مهيئاً. وأيضاً
قوله: " إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلاً " إلى غير ذلك من الآيات. وأيضاً:
قوله صلى الله عليه وسلم: عرضت علي ليلة الإسراء الجنة والنار إلى غير ذلك من الأخبار.
والدليل على تخليد النعيم لأهل الجنة والعذاب لأهل
النار: قوله تعالى في أهل الجنة: " خالدين فيها أبداً رضى اللّه عنهم ورضوا عنه
ذلك لمن خشي ربه " والآي في ذلك كثير، وأيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: يؤتى بالموت
يوم القيامة في صورة كبش فيوقف بين الجنة والنار، فينظرون إليه فيقال لهم: هل تعرفون
هذا ؟ فيقولون نعم، هذا الموت، فيذبحن ثم ينادي مناد يا أهل الجنة: خلود فلا موت، ويا
أهل النار خلود فلا موت.
والدليل على أنه لا يخلد في النار أحد من المؤمنين
بذنب: قوله تعالى: " إن اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء
" وقوله تعالى: " قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة
اللّه إن اللّه يغفر الذنوب جميعاً " وأيضاً: قوله صلى الله عليه وسلم: لا يبقى
في النار من في قلبه ذرة من إيمان فإن الكفار لا ينفعهم إحسان مع الكفر، ولا يخرجون
من النار، وكذلك الموحد: لا تضره سيئة مع إثبات التوحيد، ولا يخلد في النار. قيل: وكان
عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يقول في دعائه: اللهم إني أطعتك في أحب الأشياء إليك
وهو التوحيد، وقول لا إله إلا الله ولم أعصك في أبغض الأشياء إليك وهو الشرك فاغفر
لي ما بين ذلك.
0 comments